انطلقت مبادرة مدارس الموهوبين التقنية التي دشّنتها وزارة التعليم بالشراكة مع أكاديمية طويق أواخر ديسمبر 2024 لتشكل خطوة نوعية في مسار تطوير التعليم بالمملكة، وتهدف هذه المبادرة إلى بناء جيل وطني متمكن في علوم التقنية الحديثة بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي تضع الابتكار والمعرفة في صدارة أولوياتها.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
وجاءت البداية مع العام الدراسي الجديد في خمس مدن رئيسة هي الرياض وجدة والمنطقة الشرقية والقصيم والمدينة المنورة، حيث استقبلت المدارس طلاب وطالبات الصف الأول الثانوي في تجربة تعليمية مختلفة تسعى لربط المنهج الدراسي بمتطلبات سوق العمل وتهيئة الشباب للمنافسة عالميًا في مجالات التقنية المتقدمة.
وتقدّم هذه المدارس مسارًا تعليميًا متكاملًا يجمع بين المناهج الدراسية العامة والبرامج التخصصية في علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والبرمجة والميكاترونيكس، إلى جانب مسارات خاصة بتنمية المهارات القيادية ومنافسات علمية عالمية تتيح للطلبة إبراز مواهبهم وصقل قدراتهم.
ويُبنى الجدول الدراسي اليومي على الدمج بين التعليم الأكاديمي والبرامج التقنية والأنشطة اللامنهجية، حيث يبدأ ببرنامج لتنمية مهارات التفكير، ثم يتدرج نحو تعليم مطوّر ومكثف في التخصصات التقنية، ما يمنح الطلبة تجربة تتجاوز حدود التعليم التقليدي وتفتح أمامهم آفاقًا أوسع للابتكار.
وتولي المدارس عناية خاصة بتنمية القدرات العقلية عبر برامج "مهارات التفكير" التي تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي والتحليلي، كما تسعى من خلال "المنافسات العالمية" إلى إعداد الطلبة لتمثيل المملكة في مسابقات البرمجة والروبوت والعلوم التطبيقية، بينما يركز "المسار القيادي" على تقوية مهارات اتخاذ القرار والعمل بروح الفريق.
كما توفر المدارس منظومة تعليمية إلكترونية عبر منصة "سطر" التي تضم أكثر من خمسة آلاف مادة تعليمية تقنية باللغة العربية يستفيد منها أكثر من مليون مشترك، إضافة إلى برنامج صيفي بالشراكة مع جامعات وجهات عالمية مرموقة يقدم مسارات مكثفة في أحدث تقنيات العصر.
وخلال العام الدراسي 1446 – 1447هـ حققت مدارس الموهوبين التقنية نسب حضور كاملة بلغت مئة في المئة، بينما وصل متوسط التحصيل الدراسي إلى 99.5%، وحصل نحو ثلثي الطلاب على مقياس "موهبة"، وهو ما يعكس نجاح التجربة في استقطاب العقول المتميزة ودعمها بالبرامج المناسبة.
ووفق الإحصاءات ذاتها، نُفّذت أكثر من 352 ساعة دراسية صفية و90 ساعة تقنية، إلى جانب 74 ساعة تدريبية في مهارات التفكير و49 ساعة ضمن برامج القيادة، ليصل المتوسط لكل طالب إلى 200 ساعة في المجالات التقنية والقيادية، ما يعكس ثراء التجربة وتنوعها.
كما شارك 30 طالبًا في مبادرات تطوعية بإجمالي 21 ساعة خدمة مجتمعية، إلى جانب إنجاز 19 مشروعًا تطبيقيًا و18 بحثًا علميًا وتحضير خمس مشاركات في منافسات عالمية، وحصول 30 طالبًا على شهادات دولية في البرمجة، ما يبرز قدرة المدارس على الدمج بين التعليم الأكاديمي والأنشطة التطبيقية.
ويُنتظر أن تسهم هذه التجربة في صناعة جيل شغوف بالعلوم الحديثة وقادر على قيادة التحولات الرقمية، خاصة مع ما توفره من بيئة تعليمية متطورة ومناهج عملية ترتبط مباشرة بالتحديات الواقعية التي يواجهها سوق العمل.
وتسعى مدارس الموهوبين التقنية إلى أن تكون أنموذجًا ملهمًا لمفهوم "مدارس المستقبل" في جميع مناطق المملكة، عبر أسلوب يدمج بين التعليم التفاعلي والتطبيق العملي ويفتح للطلبة فرصًا عالمية في مختلف التخصصات.
كما تعكس هذه المبادرة توجه الدولة إلى استثمار الطاقات الوطنية في مسارات نوعية تمكّن الشباب من التميز في الاقتصاد الرقمي، وتتيح لهم المنافسة على المستويات الإقليمية والعالمية بما يعزز حضور المملكة في مشهد التقنية العالمي.
وتعمل المدارس كذلك على بناء شخصية متكاملة للطالب تجمع بين العلم والمهارة والقيادة والمسؤولية الاجتماعية، بما يسهم في تخريج جيل متوازن يمتلك المعرفة والقدرة على العطاء داخل الوطن وخارجه.
ومن خلال ما تحققه من مؤشرات وإنجازات منذ انطلاقتها، يبدو أن مدارس الموهوبين التقنية في طريقها لتصبح إحدى أبرز المبادرات التعليمية التي تُعيد رسم ملامح المستقبل، وتقدم نموذجًا واقعيًا للاستثمار في العقول وبناء الكفاءات الوطنية.
وبهذا المشروع الطموح، تواصل المملكة خطواتها الجادة نحو تطوير رأس المال البشري وتعزيز موقعها الريادي في التقنيات المتقدمة، لتبقى مدارس الموهوبين التقنية شاهدًا على رؤية تتطلع إلى المستقبل وتصنعه بعقول أبنائها وبناتها.