أصدر تحالف أوبك+ وعدد من المؤسسات النفطية الدولية تقارير جديدة تعكس ملامح مرحلة حساسة يمر بها سوق الطاقة العالمي، إذ شهدت أسعار النفط تراجعًا طفيفًا خلال تعاملات اليوم الثلاثاء وسط ترقب واسع للمحادثات المرتقبة بين الولايات المتحدة والصين.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
وأكد محللون في أسواق الطاقة أن التراجع الأخير في الأسعار يعكس مخاوف متزايدة بشأن وفرة المعروض العالمي، خصوصًا مع استمرار المنتجين في ضخ كميات أكبر من النفط في ظل تباطؤ ملحوظ في الطلب خلال الأشهر الأخيرة.
وأظهرت البيانات أن خام برنت هبط إلى ما دون 61 دولارًا للبرميل بعد أن سجل انخفاضًا بنسبة نصف في المئة في جلسة أمس، بينما استقر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي قرب مستوى 57 دولارًا للبرميل وسط تعاملات هادئة نسبيًا.
ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه الأرقام تفتح الباب أمام تساؤلات جديدة حول قدرة الأسواق على استيعاب الفائض المتنامي من الخام، خصوصًا مع المؤشرات التي تفيد بوصول كميات النفط المحمولة في البحر إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
ووفقًا لبيانات شركة "فورتكسا" المتخصصة في تتبع حركة الناقلات البحرية، فقد ارتفع حجم النفط الخام المحمول على السفن إلى ذروته هذا العام، ما يعكس تزايد المعروض في الأسواق العالمية وتراجع وتيرة السحب من المخزونات.
وتشير هذه التطورات إلى أن توازن السوق يواجه تحديات كبيرة، إذ يتباطأ نمو الطلب في الوقت الذي تواصل فيه الدول المنتجة زيادة إنتاجها ضمن إطار تحالف أوبك+ أو خارجه، ما يؤدي إلى ضغوط إضافية على الأسعار.
وفي هذا السياق، أكدت "وكالة الطاقة الدولية" في تقريرها الأخير أن العام المقبل قد يشهد فائضًا قياسيًا في إمدادات النفط نتيجة استمرار ارتفاع الإنتاج، مشيرة إلى أن وتيرة الزيادة الحالية تتجاوز توقعاتها السابقة.
وأوضحت الوكالة أن هذا الفائض المحتمل قد يضغط على جهود استقرار الأسعار التي تبذلها دول أوبك+، خاصة مع غياب مؤشرات واضحة على تحسن الطلب العالمي في الأجل القصير بسبب تباطؤ النشاط الصناعي في عدد من الاقتصادات الكبرى.
وفي ظل هذه المعطيات، تتجه الأنظار نحو المحادثات المرتقبة بين الولايات المتحدة والصين المقررة في وقت لاحق من هذا الأسبوع، إذ يعلّق المستثمرون آمالًا على أن تسهم في تخفيف التوترات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
ويرى مراقبون أن أي بوادر إيجابية في الحوار بين واشنطن وبكين قد تعيد بعض الثقة للأسواق، لاسيما أن الصراعات التجارية السابقة كانت أحد العوامل الرئيسية التي كبحت نمو الطلب العالمي على النفط خلال العامين الماضيين.
في المقابل، يحذر محللون من أن استمرار حالة عدم اليقين بشأن نتائج المحادثات قد يدفع المستثمرين إلى تبني مواقف أكثر تحفظًا، ما يعني احتمال استمرار الضغوط على الأسعار في الأجل القصير.
وأشار الخبير النفطي بوب ماكنالي، مؤسس مجموعة "رابيدان إنرجي غروب"، في تصريحات لشبكة بلومبرغ، إلى أن نمو الإمدادات الحالية يسير بوتيرة أسرع بثلاث مرات من نمو الطلب، وهو ما قد يؤدي إلى تخمة واضحة في الأسواق.
وأضاف ماكنالي أن أي زيادة إضافية في الإنتاج، سواء من داخل أوبك+ أو من المنتجين المستقلين، ستعقّد المشهد أكثر، مؤكدًا أن الأسواق تحتاج إلى سياسات إنتاج أكثر انضباطًا لتفادي موجات تراجع جديدة.
كما شدد محللون على أن الطلب الصيني سيكون عاملًا حاسمًا في تحديد اتجاهات الأسعار خلال المرحلة المقبلة، إذ يمثل الاقتصاد الصيني أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وأي تباطؤ في نموه ينعكس فورًا على الأسواق العالمية.
ويرى بعض المراقبين أن تراجع الأسعار قد يدفع بعض الدول المنتجة إلى إعادة النظر في خططها الاستثمارية المرتبطة بقطاع الطاقة، خاصة تلك التي تعتمد ميزانياتها بشكل أساسي على عائدات النفط.
ويعتقد اقتصاديون أن الفترة المقبلة ستشهد نقاشات واسعة داخل أوبك+ حول آليات ضبط الإنتاج وتوزيع الحصص، في محاولة للحفاظ على التوازن ومنع الأسعار من الهبوط إلى مستويات تهدد استقرار السوق.
ورغم الضبابية المحيطة بالمشهد، يظل التفاؤل قائمًا لدى بعض المستثمرين الذين يراهنون على أن أي اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين قد يعيد النشاط الصناعي العالمي إلى مساره الطبيعي ويحفز الطلب على الطاقة.
ومع اقتراب موعد المحادثات المرتقبة، تترقب الأسواق أي إشارات أو تصريحات يمكن أن تعيد الثقة تدريجيًا، في وقت تبدو فيه أسعار النفط عالقة بين ضغوط الفائض وتطلعات انتعاش اقتصادي عالمي جديد.
وتختتم مؤسسات الطاقة توقعاتها بتأكيد أن عام 2026 قد يشهد إعادة توازن تدريجية في السوق إذا ما تم الالتزام بسياسات إنتاج منضبطة، إلا أن السيناريو الأقرب حتى الآن هو استمرار التقلبات مع كل حدث سياسي أو اقتصادي عالمي جديد.