شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا اليوم بعد أن لامست مستويات قياسية في الجلسة الماضية، حيث أثرت عمليات جني الأرباح والارتفاع الطفيف لقيمة الدولار على حركة المعدن النفيس، في وقت لا تزال فيه التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية تمنح السوق بعض الدعم وسط حالة من عدم اليقين السياسي العالمي.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
وسجل الذهب في المعاملات الفورية انخفاضًا بنسبة 0.2% ليصل إلى 3858.50 دولارًا للأوقية، بعد أن بلغ أمس الأربعاء ذروته التاريخية عند 3895.09 دولارًا، وهو ما دفع المستثمرين إلى البيع لجني المكاسب، الأمر الذي انعكس على الأداء العام للسوق.
أما العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر، فقد تراجعت بنسبة 0.4% لتسجل 3883.60 دولارًا، ما يعكس حذر المتعاملين في ظل ترقب بيانات اقتصادية أمريكية جديدة قد تؤثر على مسار السياسة النقدية للفيدرالي.
وبالمقابل، ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 0.1% مقابل سلة من العملات الرئيسية، مما جعل الذهب أكثر تكلفة بالنسبة لحاملي العملات الأخرى، وهو عامل ضغط إضافي على المعدن الأصفر الذي يتحرك عادةً عكسيًا مع قوة الدولار.
ورغم التراجع الحالي، يرى محللون أن التوجه العام للذهب لا يزال صعوديًا على المدى المتوسط، خاصة مع توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة، وهو ما يقلل من تكلفة الاحتفاظ بالأصول غير المدرة للفائدة ويزيد جاذبية الذهب كملاذ آمن.
وتتزامن هذه التطورات مع استمرار حالة عدم اليقين السياسي عالميًا، سواء على صعيد الانتخابات المقبلة في عدد من الدول الكبرى أو تصاعد التوترات الجيوسياسية، ما يرفع من مستويات الطلب على الذهب كأداة تحوط.
وفيما يتعلق ببقية المعادن النفيسة، تراجعت أسعار الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.5% لتصل إلى 47.07 دولارًا للأوقية، متأثرة بنفس العوامل التي تضغط على الذهب، حيث تعتبر الفضة أكثر تقلبًا نظرًا لاستخداماتها الصناعية الواسعة.
كما انخفض البلاتين بنسبة 0.3% ليسجل 1552.05 دولارًا، بينما خالف البلاديوم الاتجاه العام وارتفع بنسبة 1% ليصل إلى 1256.93 دولارًا، مدفوعًا بمخاوف تتعلق بالإمدادات في السوق العالمية.
ويرى خبراء أن حركة المعادن النفيسة في الفترة المقبلة ستبقى مرتبطة بمسارين رئيسيين، الأول هو السياسة النقدية الأمريكية وتوجهات الفيدرالي، والثاني هو التطورات الجيوسياسية التي غالبًا ما تدفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة.
ويشير المحللون إلى أن اقتراب الذهب من حاجز 3900 دولار يعكس إقبالًا قويًا من المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن، إلا أن هذا المستوى القياسي يشكل أيضًا نقطة انطلاق لعمليات بيع واسعة بهدف جني الأرباح، وهو ما يفسر التذبذب الحالي في الأسعار.
وتبقى السوق في حالة ترقب لتصريحات مسؤولي الفيدرالي الأمريكي وبيانات سوق العمل التي ستصدر قريبًا، والتي ستحدد بشكل أوضح ما إذا كان البنك المركزي سيمضي قدمًا في خفض الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع.
ومن جهة أخرى، يحذر بعض الخبراء من أن استمرار قوة الدولار قد يحد من مكاسب الذهب على المدى القصير، خاصة في حال واصلت عوائد السندات الأمريكية استقرارها عند مستويات مرتفعة نسبيًا.
لكن على المدى الطويل، يرى اقتصاديون أن الذهب سيظل محتفظًا بجاذبيته، خصوصًا في ظل تصاعد المخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي قد يدفع البنوك المركزية الكبرى إلى مزيد من التيسير النقدي.
وإلى جانب الذهب، يترقب المستثمرون أداء الفضة والبلاتين والبلاديوم، إذ تلعب العوامل الصناعية دورًا مهمًا في تحديد اتجاهاتها، خاصة في ظل الطلب المتزايد على المعادن في قطاعات الطاقة النظيفة والتقنيات الحديثة.
ويشير مراقبون إلى أن الارتفاع الأخير للبلاديوم يعكس قلق الأسواق من نقص المعروض في ظل تزايد الطلب من قطاع صناعة السيارات، حيث يدخل المعدن في مكونات المحولات الحفازة للحد من الانبعاثات.
بينما يعاني البلاتين من ضغوط نتيجة ضعف الطلب الصناعي نسبيًا، إلا أن احتمالات تعافيه قائمة إذا ما تحسنت مؤشرات النمو العالمي خلال الفترة المقبلة.
ويظل السؤال الأبرز في الأسواق حاليًا هو ما إذا كان الذهب سيعود مجددًا لاختبار قمة الأمس أو سيواصل التراجع في ظل ضغوط الدولار، وهو ما سيعتمد بدرجة كبيرة على الإشارات القادمة من واشنطن بشأن مستقبل الفائدة.
وفي كل الأحوال، تبقى التحركات الحالية للذهب انعكاسًا لمعادلة دقيقة بين رغبة المستثمرين في التحوط من المخاطر وبين حرصهم على جني الأرباح السريعة من المستويات القياسية، وهو ما يخلق توازنًا هشًا في السوق قد ينكسر مع أي مفاجأة اقتصادية أو سياسية.