في لحظة مؤثرة جمعت بين الإنجاز الرياضي والفقد الشخصي، أعرب المدير الفني للمنتخب السعودي الأول لكرة القدم، الفرنسي هيرفي رينارد، عن أن مباراة السعودية والعراق الأخيرة كانت الأهم في مسيرته الكروية، مشيرًا إلى أن رحيل والدته شكّل لحظة مفصلية في حياته المهنية والشخصية.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
رينارد أوضح أن والدته توفيت في فبراير الماضي، لكنها كانت حاضرة خلال لحظة تاريخية لا تُنسى، حين فاز الأخضر السعودي على منتخب الأرجنتين في كأس العالم الماضية، وهو ما شكّل لها مصدر فخر قبل وفاتها.
وأضاف المدرب الفرنسي أن آخر لقاء جمعه بوالدته كان في يناير، حين عبّرت له عن خشيتها من ألا تعيش حتى موعد المونديال القادم، لكنها في الوقت ذاته أوصته بالاستمرار مع المنتخب السعودي ومواصلة المهمة التي بدأها معه.
هذا البُعد الإنساني الذي حمله رينارد إلى أرض الملعب، جعل من مواجهة العراق في الملحق الآسيوي على ملعب الإنماء بجدة، أكثر من مجرد مباراة، بل محطة شخصية ومهنية فارقة في مشوار المدرب الفرنسي.
وتمكن المنتخب السعودي من حجز بطاقة التأهل إلى كأس العالم 2026 بعد تعادل سلبي مع العراق، في لقاء حاسم شهد تركيزًا دفاعيًا عاليًا وأداءً تكتيكيًا متزنًا من الطرفين، وسط دعم جماهيري كبير في المدرجات.
التعادل كان كافيًا للسعودية لتأكيد تأهلها، في وقت اعتمد فيه رينارد على أسلوب موازٍ بين الحذر الدفاعي والانطلاقات المنظمة، ليبرهن مجددًا على قدرته في قراءة المباريات المصيرية بحكمة وهدوء.
رينارد أهدى هذا الإنجاز أيضًا للاعب فهد المولد، الذي يمر بظروف صحية صعبة، حيث قال "أهدي هذا التأهل للاعب فهد المولد شفاه الله"، ما يعكس روح التضامن العالية داخل معسكر المنتخب.
كما توجّه المدرب الفرنسي بالشكر إلى الجماهير السعودية وكل من دعم الفريق خلال مسيرته في التصفيات، مؤكدًا أن هذا الدعم الجماهيري كان له تأثير كبير في تحقيق النتيجة المطلوبة.
تأهل السعودية إلى مونديال 2026 يمثل المرة الثانية على التوالي التي يقود فيها رينارد الأخضر نحو البطولة العالمية، ما يعزز مكانته كأحد أبرز المدربين الذين مروا على الكرة السعودية.
المسيرة مع المنتخب لم تكن سهلة، فقد واجه رينارد انتقادات ومراحل شك في بعض الأوقات، لكنه استطاع تجاوزها بثقة وخبرة كبيرة، وأثبت أنه مدرب يؤمن بالمشروع طويل الأمد أكثر من النتائج اللحظية.
منذ تعيينه، سعى رينارد إلى ترسيخ عقلية الفوز لدى اللاعبين السعوديين، وزرع الثقة بأنهم قادرون على مقارعة الكبار، وهو ما ظهر جليًا في كأس العالم الماضية ومباريات التصفيات الحالية.
ومع تحقيق التأهل، يعود الحديث مجددًا عن دور رؤية السعودية 2030 في دعم الرياضة والكرة السعودية تحديدًا، من خلال تطوير البنية التحتية والاستثمار في الكوادر الفنية واللاعبين.
المنتخب السعودي أصبح اليوم في مرحلة استقرار فني ملحوظ، حيث بات يملك هوية واضحة داخل الملعب، تقوم على الانضباط التكتيكي وروح الفريق، وهو ما يعكس فلسفة رينارد التدريبية.
هذا الإنجاز لا يقتصر فقط على بلوغ المونديال، بل هو أيضًا ترجمة لسلسلة من الخطط والاستثمارات التي وضعتها المملكة لتطوير رياضتها، وجعل حضورها العالمي أمرًا مستمرًا لا استثنائيًا.
الجماهير السعودية التي احتشدت في ملعب الإنماء بجدة، عبّرت عن فخرها بالتأهل، لكن أيضًا بعودة الروح إلى المنتخب، حيث أصبح الفريق يمثل كل أطياف الشارع الرياضي السعودي بثقة وشغف.
اللاعبون السعوديون أظهروا التزامًا عاليًا طوال مشوار التصفيات، ونجحوا في تقديم أداء ثابت، مع تطور واضح في النضج الفني والقدرة على التعامل مع الضغوط في المباريات الكبيرة.
في المقابل، قدّم المنتخب العراقي مباراة قوية وكان خصمًا عنيدًا، لكنه افتقر إلى الحسم أمام المرمى، بينما لعبت الخبرة دورًا كبيرًا في منح السعوديين الأفضلية في اللحظات الحاسمة.
التأهل السعودي يمهّد لمرحلة جديدة من التحضيرات، إذ من المتوقع أن يخوض الأخضر سلسلة مباريات ودية قوية خلال الفترة المقبلة استعدادًا لكأس العالم، ضمن خطة فنية متكاملة.
هيرفي رينارد، الذي لطالما عُرف بشغفه وانفعاله الإيجابي على خط التماس، ظهر بعد اللقاء هادئًا وممتنًا، وهو ما يعكس حجم المشاعر التي اختلطت لديه في تلك الليلة التاريخية.
المنتخب السعودي يدخل الآن قائمة المنتخبات المتأهلة مبكرًا إلى مونديال 2026، وهو ما يمنحه فرصة أفضل للاستعداد بعيدًا عن ضغوط اللحظات الأخيرة التي طالما أربكت فرقًا أخرى.