شهدت أسواق الطاقة العالمية اليوم تحركات حذرة مع تراجع أسعار النفط تحت ضغط توقعات تشير إلى وفرة المعروض واستمرار ضعف الطلب في بعض الاقتصادات الكبرى، ما أعاد إلى الأذهان مرحلة التقلبات الحادة التي عاشها السوق خلال العامين الماضيين.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
وتراجع خام برنت في التعاملات الآجلة بنسبة طفيفة بلغت 0.4% ليصل إلى مستوى 61.05 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى يسجله منذ مطلع الربع الأخير من العام الجاري، وسط مؤشرات على تباطؤ في نشاط المصافي وتزايد المخزونات لدى الدول الصناعية الكبرى.
كما انخفض خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بالوتيرة نفسها تقريبًا ليسجل 57.33 دولارًا للبرميل، متأثرًا بعوامل العرض الزائد من الإنتاج الأمريكي الذي تجاوز مستويات ما قبل الجائحة للمرة الأولى منذ عام 2019، مما أثار قلق المستثمرين بشأن توازن السوق في المدى القصير.
ويرى محللون أن السوق دخلت مرحلة "التصحيح البطيء" نتيجة تداخل عدة عوامل في آن واحد، أبرزها تراجع الطلب في آسيا وتباطؤ الاقتصاد الصيني، إضافة إلى عودة الإمدادات من بعض الدول المنتجة بعد فترات من التوقف لأسباب فنية أو سياسية.
وفي المقابل، تراقب "منظمة أوبك" وشركاؤها في تحالف "أوبك بلس" هذه التطورات بدقة، حيث تشير التسريبات إلى مشاورات داخلية بشأن إمكانية تمديد خفض الإنتاج الطوعي إلى الربع الأول من العام المقبل، في محاولة لمنع الأسعار من الانزلاق إلى مستويات أدنى.
ويرى بعض الخبراء أن السعر الحالي لا يزال ضمن النطاق المقبول الذي يسمح بتحقيق توازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين، إلا أن استمرار التراجع دون مستوى 60 دولارًا قد يدفع المنظمة إلى تحرك عاجل لحماية السوق من موجة هبوط جديدة.
من جهة أخرى، أشار متعاملون إلى أن الارتفاع المستمر في قيمة الدولار الأمريكي ساهم في الضغط على أسعار السلع المقومة به، إذ يجعل النفط أكثر كلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى، ما يقلل من حجم الطلب العالمي بصورة غير مباشرة.
كما أن عودة المخاوف المتعلقة بالنمو في الأسواق الناشئة لعبت دورًا في الحد من شهية المستثمرين تجاه الأصول المرتبطة بالمخاطر، وهو ما انعكس على تداولات الخام التي اتسمت بالهدوء والترقب طوال الأسبوع الماضي.
ويتوقع محللون أن تشهد السوق خلال الأسابيع المقبلة موجة من القرارات المفصلية من جانب كبار المنتجين، خصوصًا في حال استمرار تراجع الأسعار دون المتوسط السعري المستهدف الذي تسعى "أوبك بلس" للحفاظ عليه منذ مطلع العام.
في هذا السياق، تترقب الأسواق التقرير الشهري للمنظمة والذي من المنتظر أن يتضمن تحديثًا للتوقعات الخاصة بالطلب العالمي على النفط، إلى جانب مراجعة تقديرات الإنتاج للدول الأعضاء في ضوء المستجدات الأخيرة.
ويقول خبراء الطاقة إن التطورات الحالية قد تفتح الباب أمام جولة جديدة من المفاوضات بين المنتجين للبحث عن آلية أكثر مرونة لإدارة السوق في ظل الظروف الاقتصادية غير المستقرة عالميًا.
بينما يرى آخرون أن التحركات الحالية طبيعية بعد موجة الصعود القوي التي شهدها النفط خلال الأشهر السابقة، معتبرين أن الأسعار تسير في اتجاه تصحيحي مؤقت قبل استعادة التوازن تدريجيًا.
ومع أن التراجع يبدو محدودًا في نسبته المئوية، إلا أنه يثير تساؤلات حول مدى قدرة تحالف المنتجين على الحفاظ على التزام أعضائه بخطط الخفض الحالية في ظل التحديات المالية التي تواجه بعض الاقتصادات.
كما أن تزايد الإنتاج من خارج "أوبك"، وخاصة من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل، يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى مشهد السوق، إذ يعزز من حدة المنافسة على الحصص التصديرية في الأسواق الآسيوية.
وفي المقابل، يتوقع خبراء أن أي مؤشرات إيجابية بشأن الاقتصاد الصيني أو تراجع الدولار قد تعيد الثقة للأسواق سريعًا وتدعم عودة الأسعار إلى ما فوق 65 دولارًا للبرميل في الأجل المتوسط.
ويؤكد محللون أن التحركات المقبلة ستعتمد بشكل كبير على بيانات الطلب الفعلية خلال موسم الشتاء في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث يلعب الاستهلاك المنزلي والصناعي للطاقة دورًا حاسمًا في تحديد اتجاه الأسعار.
كما يشير متابعون إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر حذرًا في التعامل مع عقود النفط بعد التقلبات الأخيرة، إذ يفضل كثيرون الانتظار لحين وضوح الرؤية بشأن سياسات الإنتاج المستقبلية.
ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن أسواق النفط العالمية تسير حاليًا على خيط رفيع بين وفرة المعروض وحذر الطلب، مما يجعل أي قرار جديد من "أوبك" بمثابة رسالة قوية للأسواق في الأسابيع المقبلة.