تراجع الذهب خلال تعاملات اليوم، متأثرًا ببيانات اقتصادية أمريكية قوية عززت التوقعات بأن يبقي مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المرتقب اليوم، ما دفع المستثمرين لتقليص رهاناتهم على خفض قريب للفائدة، وسط مؤشرات على استمرار تشدد السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة.
إقرأ ايضاً:"الهلال" يكرّم "سالم الدوسري" بطريقة غير متوقعة بعد إنجازه الآسيوي الكبير!"دله الصحية" تشارك بتوقيعها في "معرض الصحة العالمي 2025"
وأدى صعود الدولار وعوائد سندات الخزانة الأمريكية، مدعومين بنتائج اقتصادية فاقت التوقعات، إلى تقليص جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن، إذ انخفضت أسعار الذهب في السوق الفورية بنسبة 0.6% لتسجّل نحو 3306.57 دولارات للأوقية، بينما تراجعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بالنسبة نفسها إلى مستوى 3303.40 دولارات.
ويأتي هذا التراجع في وقت يترقب فيه المستثمرون نتائج اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، وسط توقعات شبه مؤكدة بتثبيت أسعار الفائدة، مع تزايد القناعة بأن مسار خفض الفائدة قد يتأجل إلى ما بعد الصيف، وربما حتى نهاية العام الجاري، ما لم تتغير المؤشرات الاقتصادية بشكل جوهري.
وكانت بيانات الوظائف ومؤشرات الإنفاق الاستهلاكي التي صدرت مؤخرًا في الولايات المتحدة قد أظهرت صمودًا اقتصاديًا غير متوقع، ما أبقى على الضغوط التضخمية عند مستويات مرتفعة نسبيًا، وهو ما يدعم موقف الفيدرالي بالإبقاء على سياسته الحالية لتفادي انتكاسات تضخمية جديدة.
وعلى الرغم من التراجع المسجل في أسعار الذهب اليوم، إلا أن المحللين يرون أن المعدن الأصفر ما زال يحتفظ بجاذبيته على المدى الطويل، خصوصًا في ظل التوترات الجيوسياسية المستمرة ومخاوف الأسواق العالمية من تباطؤ اقتصادي مفاجئ في عدد من الاقتصادات الكبرى.
وبينما تأثرت أسعار الذهب الفورية والعقود الآجلة اليوم، تباينت توجهات المستثمرين بين الترقب والحذر، إذ أظهرت تحركات السوق أن بعض المتداولين فضلوا الخروج من مراكزهم مؤقتًا في انتظار ما سيصدر عن الفيدرالي من إشارات حول مستقبل السياسة النقدية خلال النصف الثاني من 2025.
ويُذكر أن الذهب، الذي لا يدرّ عائدًا، يتأثر بشدة بتحركات أسعار الفائدة، إذ تؤدي الفوائد المرتفعة إلى ارتفاع كلفة الفرصة البديلة لحيازته، ما يضعف من جاذبيته مقارنة بالأصول ذات العائد، في حين يشكّل أي تلميح بتيسير السياسة النقدية دفعة إيجابية للمعدن النفيس.
وبالتوازي مع أداء الذهب، تشهد أسواق المعادن الثمينة الأخرى حركة محدودة، وسط حالة من الترقب الحذر، في حين يتجه بعض المستثمرين إلى تحصين محافظهم عبر تنويع الأصول والاحتفاظ بأدوات أكثر مرونة لمواجهة تحولات السوق.
وعلى صعيد التداولات الفنية، فقد سجل الذهب موجة بيع ملحوظة في الجلسة الحالية، تزامنت مع بيانات أمريكية عززت المخاوف من تأجيل خفض الفائدة، فيما يترقب المتعاملون التوجيهات التي سيصدرها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في مؤتمره الصحفي المرتقب عقب إعلان القرار.
وقد تسهم أية نبرة متشددة من الفيدرالي في مواصلة الضغط على الذهب خلال الجلسات المقبلة، لا سيما إذا ربط المجلس خفض الفائدة بتحسن ملموس في مؤشرات التضخم وتراجع واضح في أداء سوق العمل، وهي معايير لم تتحقق بعد بشكل كافٍ بحسب التقديرات الأخيرة.
في المقابل، فإن أي مفاجأة في لهجة البيان الرسمي، سواء بالإشارة إلى مرونة مستقبلية في السياسة النقدية أو الإقرار بتباطؤ في بعض المؤشرات، قد يعيد الدعم سريعًا لأسعار الذهب ويدفعها للصعود مجددًا فوق مستويات 3350 دولارًا للأوقية خلال المدى القريب.
وتتجه أنظار الأسواق العالمية إلى الولايات المتحدة حاليًا، باعتبارها المحرك الرئيسي لسياسات الفائدة عالميًا، وسط تباين في مواقف البنوك المركزية الأخرى بين من بدأ فعليًا في خفض الفائدة، ومن يفضل الانتظار حتى تتضح الصورة الاقتصادية بالكامل.
وبينما يظل الذهب أداة تحوط رئيسية ضد التضخم وعدم اليقين المالي، فإن توقيت التوجهات الكبرى في السوق يعتمد حاليًا بشكل أساسي على مسار الفائدة الأمريكية، في ظل ترابط متزايد بين قرارات السياسة النقدية في أكبر اقتصاد بالعالم وتحركات رؤوس الأموال في الأسواق العالمية.
وحتى تتضح الصورة الكاملة بعد اجتماع الفيدرالي، يبقى الذهب في وضع تذبذب محدود نسبيًا، حيث ينتظر المتعاملون حافزًا جديدًا يعيد تشكيل الاتجاه العام، سواء صعودًا في حال ميل السياسة إلى التيسير، أو هبوطًا إضافيًا إذا ثبت الإبقاء على التشدد المالي.