يظل المسجد الحرام لغزًا هندسيًا وروحانيًا في آن واحد، فكل ركن فيه صُمم بدقة ليخدم ضيوف الرحمن، ومع ذلك تبقى أسرار أبوابه الكثيرة وتوزيعها المدهش محل تساؤل للزوار الذين يدخلونه للمرة الأولى.
إقرأ ايضاً:"الهلال" يكرّم "سالم الدوسري" بطريقة غير متوقعة بعد إنجازه الآسيوي الكبير!"دله الصحية" تشارك بتوقيعها في "معرض الصحة العالمي 2025"
الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي كشفت بعضًا من هذه الأسرار، مؤكدة أن الأبواب ليست مجرد منافذ للعبور، بل هي خريطة خفية تسهّل على الحجاج والمعتمرين الوصول إلى مقاصدهم بأسرع الطرق وأكثرها أمانًا.
عدد الأبواب الرئيسة يبلغ خمسة فقط، لكن لكل باب منها قيمة خاصة ورمزية ترتبط بمئذنة شامخة تعلوه، وهذه المآذن بمثابة علامات إرشاد واضحة وسط الزحام، وكأنها تقول لكل قادم من أي اتجاه: هذا هو الطريق نحو بيت الله العتيق.
باب الملك عبدالعزيز، باب الملك فهد، باب الملك عبدالله، باب العمرة، وباب الفتح، أسماء يعرفها كل من قصد الحرم، لكنها ليست مجرد أسماء، بل هي مفاتيح لممرات ومسالك تصل بك مباشرة إلى قلب المكان المقدس.
ولعل أكثر ما يثير الانتباه أن بعض هذه الأبواب تفتح مباشرة إلى صحن المطاف، حيث الكعبة المشرفة، مثل باب الملك فهد وباب الملك عبدالعزيز وقبو السلام، مما يجعلها محط أنظار القادمين الذين يودون ملامسة روح المكان منذ اللحظة الأولى.
أما لمن يرغب في الوصول إلى المطاف من الدور الأول، فقد أُعدّت جسور خاصة تحمل أسرارها هي الأخرى، جسر الشبيكة، جسر أجياد، وجسر مدخل الأرقم، وكلها مسارات صُممت لتختصر الطريق وتوزع الحركة بطريقة لا تُحدث أي فوضى.
الخروج من منطقة المسعى له نظام مختلف، فالأمر لا يقتصر على أبواب تقليدية، بل هناك مزيج من الأبواب والجسور، مثل باب الصفا وباب النبي صلى الله عليه وسلم وباب المروة، إضافة إلى جسر المروة وجسر عربات المروة الذي يضمن سهولة تنقل ذوي الاحتياجات الخاصة.
هذا التنوع المدروس في الأبواب والجسور ليس وليد الصدفة، بل هو ثمرة تخطيط دقيق يراعي توازن المكان وقدرته على استيعاب مئات الآلاف من الزوار في أوقات الذروة، دون أن تتعطل حركة الطائفين والساعين والمصلين.
الهيئة العامة أكدت أن هذه الترتيبات ليست مجرد خدمات تنظيمية، بل هي جزء من رسالة شاملة تهدف إلى جعل تجربة العبادة في المسجد الحرام أكثر انسيابية وسلاسة، وكأن المعتمر والحاج يسير في طريق مرسوم له بعناية منذ لحظة دخوله وحتى خروجه.
الأمر اللافت أن لكل باب قصة ورمزية، فباب الملك عبدالعزيز يقابله تاريخ طويل من التوسعات، بينما يرتبط باب العمرة بذاكرة الزائرين الذين يبدأون منه رحلتهم الروحانية، فيما يظل باب الفتح شاهدًا على معانٍ عميقة مستمدة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
من يراقب حركة الدخول والخروج عند هذه الأبواب يلحظ أنها أشبه بشرايين نابضة بالحياة، تضخ آلاف البشر في صحن الطواف أو تفرغهم إلى الساحات بانتظام، وكأنها منظومة هندسية متكاملة تعمل بتناغم خفي.
ولا يقف الأمر عند الجانب العملي فقط، بل إن للأبواب والممرات تأثيرًا نفسيًا على الزوار، إذ يشعر الداخل من باب فخم يعلوه منارة شاهقة بأنه يدخل إلى عالم روحاني مهيب، في حين يخرج من باب المسعى وقد أدى شعيرة تملأ قلبه بالسكينة.
التنظيمات التي وضعتها الهيئة ليست مجرد حلول آنية لمشكلة الزحام، بل هي استراتيجية طويلة المدى، هدفها أن يكون كل جزء في الحرم خادمًا للزائر، وأن يكون الانتقال من ركن إلى آخر أشبه بالرحلة الروحانية نفسها.
في النهاية يبقى السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثيرين: هل هذه الأبواب مجرد ممرات للعبور، أم أنها رموز خفية تحكي قصة الاهتمام الإلهي بمكان جعله الله مثابة للناس وأمنًا، ليظل المسجد الحرام أعظم شاهد على روعة التنظيم وسر الانسيابية.