في خطوة تعكس طموح المملكة لتكون لاعبًا رئيسيًا في قطاع الذكاء الاصطناعي، دخلت شركة "هيوماين" الناشئة، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، في محادثات أولية مع عدد من أبرز شركات الاستثمار العالمية، وعلى رأسها "بلاكستون" و"بلاك روك"، بهدف استقطاب مليارات الدولارات لتمويل مشاريع مراكز البيانات والبنية التحتية الرقمية داخل السعودية.
إقرأ ايضاً:"الهلال" يكرّم "سالم الدوسري" بطريقة غير متوقعة بعد إنجازه الآسيوي الكبير!"دله الصحية" تشارك بتوقيعها في "معرض الصحة العالمي 2025"
وتأتي هذه الخطوة الاستراتيجية في إطار التحركات المتسارعة للمملكة لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي وعالمي للذكاء الاصطناعي، مستفيدة من الزخم الاقتصادي الكبير والدعم الحكومي الواسع لهذا القطاع الحيوي، ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030.
وعلى الرغم من أن المحادثات لا تزال في مراحلها التمهيدية، إلا أن مشاركة الرئيس التنفيذي لـ "بلاكستون"، ستيف شوارزمان، في المباحثات الجارية، يسلط الضوء على أهمية هذه الصفقة المحتملة وحجم الاهتمام الدولي بالمبادرات التقنية السعودية.
تسعى "هيوماين" إلى بناء شبكة متكاملة من مراكز البيانات العملاقة، بطاقة إنتاجية مستهدفة تبلغ 1.9 غيغاواط بحلول عام 2030، في واحدة من أكبر خطط البنية التحتية الرقمية على مستوى المنطقة، ما يعكس طموحًا غير مسبوق في هذا المجال.
وقد بدأت الشركة بالفعل في تنفيذ المرحلة الأولى من هذه المشاريع، عبر تشييد أول منشآتها داخل المملكة، ومن المقرر أن تدخل حيز التشغيل الفعلي بحلول عام 2026، ما يمنح المملكة ميزة تنافسية في سوق الحوسبة السحابية المتقدمة.
وتعمل "هيوماين" حاليًا على تأمين سلسلة الإمدادات التقنية اللازمة، بما في ذلك الرقائق الإلكترونية المتقدمة من شركات أمريكية مثل "إنفيديا"، التي تُعد أحد أهم اللاعبين في صناعة معالجات الذكاء الاصطناعي عالميًا.
كما تدرس الشركة إمكانية الدخول في شراكة مع شركة "xAI" التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، لتأسيس مشروع مشترك داخل المملكة، وفقًا لما كشفته وكالة "بلومبرغ"، ما يفتح الباب أمام تعاون سعودي مباشر مع أبرز رموز التقنية في العالم.
وتضم قائمة الشركاء التقنيين لـ"هيوماين" شركات عالمية كبرى مثل "كوالكوم" و"سيسكو"، في إشارة واضحة إلى رغبة المملكة في بناء منظومة ذكاء اصطناعي متكاملة بمواصفات عالمية من حيث البنية والشراكات والخبرات.
وفي إطار دعم الشركات الناشئة والتقنيات الواعدة، أطلقت "هيوماين" صندوق استثمار ضخم تحت اسم "هيوماين فنتشرز" بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار، وبدأت بالفعل في ضخ الاستثمارات في شركات ومشاريع مختارة.
ويأتي هذا التوجه كجزء من استراتيجيات صندوق الاستثمارات العامة لتعزيز القطاعات المستقبلية داخل المملكة، وتحويل الثروات السيادية إلى أدوات لتحفيز الابتكار والنمو التقني، بما ينعكس على الاقتصاد الوطني.
وتبرز أهمية هذه الصفقة المحتملة في ظل تزايد الحاجة العالمية لاستثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي، وهو قطاع يتطلب رأسمال كثيف وموارد تقنية متقدمة، وهي العوامل التي بدأت دول الخليج في تلبيتها بقوة.
وكانت المملكة والإمارات وقطر قد تعهدت في السنوات الأخيرة بضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، ومع تنامي الاهتمام بصناعة التكنولوجيا، من المرجح أن يُعاد توجيه جزء من هذه السيولة نحو مشاريع الذكاء الاصطناعي.
ويعكس هذا الانفتاح الإقليمي الكبير على التقنية إدراكًا عميقًا بأن المستقبل الاقتصادي والتنموي مرهون بتقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة، وهو ما يدفع دول الخليج إلى التحول من مستهلكين للتقنية إلى منتجين وممولين لها.
ولا شك أن تحركات "هيوماين" تمثل مكونًا أساسيًا في هذه الرؤية، إذ تستهدف بناء منظومة رقمية وطنية تُسهم في تطوير بيئة الذكاء الاصطناعي داخل المملكة، وجذب المواهب والاستثمارات من مختلف أنحاء العالم.
وتشير المؤشرات الحالية إلى أن المملكة تتقدم بخطى ثابتة نحو تحقيق موقع ريادي في هذا القطاع، مستفيدة من الاستقرار السياسي وقوة التمويل والسياسات الداعمة للابتكار، مما يجعلها وجهة جذابة للشركات العالمية.
وتتزامن هذه الجهود مع إطلاق عدد من المبادرات الوطنية ذات العلاقة، مثل الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، التي تهدف إلى جعل السعودية من بين أفضل 15 دولة في هذا المجال بحلول عام 2030.
وإذا ما أُنجزت هذه الصفقة الاستثمارية بنجاح، فإنها ستكون من بين الأكبر في المنطقة في قطاع التكنولوجيا، وقد تشكل نقطة تحول حقيقية في تمكين البنية التحتية اللازمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في المملكة.