توافقت آراء عدد من الخبراء والاقتصاديين على أن الذكرى الخامسة والتسعين لليوم الوطني السعودي تأتي هذا العام في أجواء من الاعتزاز بالمنجزات الكبرى، التي رسخت مكانة المملكة كقوة اقتصادية صاعدة، مؤكدين أن النجاحات التنموية المتحققة لم تعد محلية الصدى فقط، بل غدت موضع إشادة من المؤسسات المالية والجهات الدولية.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
وأشاروا إلى أن التصنيفات الائتمانية المرتفعة التي تحصدها المملكة بشكل متكرر من وكالات عالمية بارزة، تشكل شهادة ثقة دولية بقدرتها الاقتصادية، وتبعث برسالة طمأنة للأسواق العالمية والمستثمرين، وهو ما يعزز مسيرة النمو ويحفز على تسريع خطوات التحول المنشود ضمن رؤية المملكة 2030.
ورأى الخبراء أن المملكة تدخل مرحلة جديدة يمكن وصفها بمرحلة "الحصاد"، حيث بدأت المشاريع العملاقة تؤتي ثمارها، سواء في البنية التحتية، أو في القطاعات الواعدة التي يجري العمل على تنميتها، وفي مقدمتها الصناعة والسياحة والخدمات اللوجستية والتقنية.
وقالت المستشارة الاقتصادية مي عبدالله الحميدي إن المواطنين يلمسون اليوم أثر التنوع الاقتصادي على حياتهم اليومية، مشيرة إلى أن نمو القطاعات غير النفطية بنسبة 6.1% ووصول الناتج المحلي غير النفطي إلى 2,042 مليار ريال، يعكس نجاح الخطط الإصلاحية، كما أن انخفاض معدل البطالة إلى 7% يمثل إنجازًا ملموسًا على صعيد التوطين.
وأوضحت أن هذه المؤشرات لم تأتِ من فراغ، بل هي ثمرة إصلاحات تشريعية وتنظيمية فتحت المجال أمام القطاع الخاص ليستوعب الكفاءات الوطنية، ويضطلع بدور أكبر في مسيرة التنمية، بما يتناغم مع مستهدفات رؤية 2030.
ومن جانبه، شدد البروفيسور يحيى حمزة الوزنه على أن اليوم الوطني أصبح مناسبة تسلط الضوء على المملكة كوجهة استثمارية عالمية، موضحًا أن متوسط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 122 مليار ريال بين 2021 و2023، وهو ما يفوق بكثير حصيلة عقود سابقة، الأمر الذي يعكس ثقة المستثمرين في البيئة الاقتصادية المحلية.
وأشاد الوزنه بالدور الحيوي لصندوق الاستثمارات العامة، الذي تجاوزت أصوله 3.53 تريليون دولار في 2024، مبينًا أن هذا الصندوق بات أداة استراتيجية تربط الاقتصاد السعودي بالاقتصاد العالمي، وتفتح مسارات جديدة للنمو في الطاقة النظيفة والتقنية المتقدمة.
وأكد أن المملكة رسخت نفسها كحلقة وصل اقتصادية بين الشرق والغرب، بفضل استراتيجيتها القائمة على تنويع الشراكات الدولية وتوسيع حضورها في الأسواق العالمية، إلى جانب استثمار موقعها الجغرافي المتميز.
أما الدكتور أنور علي بخرجي، فأوضح أن التصنيفات الائتمانية الإيجابية من وكالات مثل "موديز" و"فيتش" و"ستاندرد آند بورز" تمثل انعكاسًا لثقة العالم في استقرار الاقتصاد السعودي، لافتًا إلى أن مؤسسات كبرى مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والبنك الدولي رفعت توقعاتها لنمو المملكة.
وبيّن أن هذا الأداء القوي هو نتيجة مباشرة لإصلاحات هيكلية شملت تحسين الحوكمة وتعزيز الرقمنة وتوجيه الإنفاق الرأسمالي بذكاء، ما أسهم في صعود المملكة 20 مرتبة ضمن مؤشر التنافسية العالمية، وهو ما يضعها في مصاف الاقتصادات الأكثر جاذبية عالميًا.
وأشار بخرجي إلى أن التحول الرقمي لم يعد خيارًا بل ركيزة في بناء الاقتصاد الجديد، لافتًا إلى دوره في تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل، مما يوسع قاعدة الإنتاج ويعزز من العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
ورأى أن استكمال مسيرة النجاح يتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يضمن توزيع الأدوار بفاعلية، ويرسخ التنمية على أسس متينة تضمن استمراريتها عبر الأجيال.
وفي السياق ذاته، أشار المستشار الاقتصادي والقانوني هاني محمد الجفري إلى أن القطاع الخاص يعيش مرحلة ذهبية، بفضل الدعم الحكومي والتشريعات المحفزة، مبينًا أن ذلك انعكس في تحسن ترتيب المملكة في مؤشر الأداء اللوجستي إلى المرتبة 38 عالميًا في 2024.
كما لفت الجفري إلى أن تحسن جودة الحياة يظهر في ارتفاع نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن إلى 65.4%، إلى جانب ارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى 78.8 سنة، ما يعكس الأثر المباشر للإصلاحات على المجتمع وليس فقط على المؤشرات الاقتصادية.
وأوضح أن رؤية 2030 لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل أولت عناية كبرى بالإنسان، سواء من خلال دعم المتطوعين الذين تجاوز عددهم 1.2 مليون سعودي، أو من خلال تعزيز مشاركة المجتمع في التنمية عبر قنوات متنوعة.
وأكد أن هذا التوجه الشامل يرسخ فكرة أن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا بتكامل العنصر البشري مع النمو الاقتصادي، بحيث يصبح المواطن شريكًا فاعلًا في صنع المستقبل، وليس مجرد مستفيد من نتائجه.
واعتبر الجفري أن مسيرة التحول السعودي هي نموذج عالمي يمكن دراسته، إذ جمعت بين الطموح والبراغماتية، وبين الاستثمار في الإنسان واستثمار الثروات، ما جعل المملكة عنوانًا للتنمية المتوازنة.
وبذلك، يشكل اليوم الوطني الخامس والتسعون فرصة للتأمل في ما تحقق من إنجازات، وفي الوقت ذاته محطة لإعادة تجديد العهد على المضي قدمًا نحو مستقبل أكثر إشراقًا، تتسارع فيه الخطوات لبناء وطن ينافس في مصاف الاقتصادات الكبرى.