شهدت مدارس التعليم العام في مختلف مناطق المملكة اليوم الأحد تعطلًا تقنيًا في برنامج "حضوري"، وهو النظام الإلكتروني المعتمد لإثبات حضور وانصراف المعلمين والمعلمات، وذلك تزامنًا مع أول يوم إلزامي لاستخدامه في جميع المدارس.
إقرأ ايضاً:"الأرصاد" تحسم الجدل حول "مقطع الـ45 يومًا".. الحقيقة الكاملة لما ينتظر المملكة!"طيران ناس" يرسم مستقبل السفر والإبداع في المملكة.. شراكة تكشف عن توجهات رؤية 2030 الجديدة
ويعد برنامج "حضوري" الوسيلة الرسمية الجديدة التي أقرتها وزارة التعليم لإدارة عملية متابعة دوام المعلمين، بعد إيقاف العمل نهائيًا بالدفاتر الورقية وجميع الأساليب التقليدية التي كانت مستخدمة في السابق.
وبحسب توجيه الوزارة، أصبح البرنامج منذ صباح اليوم المرجع الوحيد لتوثيق الحضور والانصراف، في خطوة تهدف إلى تحديث أنظمة العمل وتعزيز دقة البيانات المتعلقة بمتابعة المعلمين والمعلمات في الميدان التعليمي.
إلا أن اليوم الأول من الإطلاق شهد تعطلًا واسعًا للبرنامج، ما أثار حالة من القلق بين المعلمين وإدارات المدارس، حيث لم يتمكن الكثير منهم من تسجيل بياناتهم، مما أربك سير العمل وأحدث جدلًا واسعًا في الأوساط التعليمية.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب التربوي عبدالحميد بن جابر الحمادي أن تطوير التعليم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعنصر البشري، مشددًا على أن فعالية المعلم وكفاءته هي الأساس الحقيقي لنجاح العملية التعليمية.
وأوضح الحمادي في حديثه أن تقييم أداء المعلم لا يمكن أن يُختزل في مجرد تسجيل حضوره أو انصرافه، مبينًا أن الجودة التعليمية تُقاس بما يقدمه المعلم من برامج ومبادرات ومهارات تنعكس على مخرجات التعليم.
وأضاف أن "سبع ساعات حضور لا تصنع تعليمًا متطورًا"، موضحًا أن التركيز على زمن الدوام فقط يمثل مؤشرًا شكليًا لا يعكس الجهد الحقيقي الذي يبذله المعلم داخل الصف وخارجه.
وأشار الحمادي إلى أهمية مراعاة الجوانب النفسية والاجتماعية للمعلمين عند تصميم الأنظمة الإدارية، معتبرًا أن إغفال هذه الجوانب في نظام "حضوري" قد يؤدي إلى إحباط المعلمين وتراجع حماسهم للمبادرات التربوية.
كما حذر من أن اعتماد الحضور كمعيار رئيسي لتقييم المعلمين قد يخلق فجوة بين الهدف المعلن للنظام، وهو التطوير، والنتائج الفعلية التي قد تنعكس سلبًا على جودة التعليم ورضا المعلمين.
وأعرب عدد من المعلمين عن قلقهم من انعكاسات النظام الجديد، مؤكدين أن الأعطال التقنية التي ظهرت اليوم زادت من الضغط النفسي عليهم، خاصة في ظل مراقبة صارمة من إدارات المدارس وغياب بدائل سريعة لمعالجة المشكلات.
وأشار بعضهم إلى أن النظام يعيد أجواء الرقابة التقليدية التي كانت سائدة في الماضي، على حساب بناء الثقة والتحفيز، وهو ما قد يضعف العلاقة بين الإدارات والمعلمين، ويؤثر على روح العمل الجماعي في المدارس.
وبيّن الحمادي أن اقتصار التقييم على عنصر الحضور قد يحد من مشاركة المعلمين في الدورات التدريبية التي تُقام خارج أوقات الدوام، مؤكدًا أن ذلك يقلل من فرصهم في تطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم.
وأضاف أن هذا التوجه قد يضعف دور مديري المدارس في تقدير جهود المعلمين، إذ يصبح حضورهم مجرد رقم في النظام، بعيدًا عن قياس القيمة الفعلية التي يقدمونها للطلاب وللمسيرة التعليمية بشكل عام.
وشدد على أن الإصلاح التعليمي الحقيقي يبدأ من تمكين المعلم، ومنحه مساحة للإبداع وتطوير أدواته، معتبرًا أن أي نظام إداري يجب أن يهدف إلى تمكين الكادر التعليمي وليس تقييده.
وأكد الحمادي أن الحصة الدراسية يجب أن تتحول إلى مساحة ممتعة ومؤثرة للطالب، موضحًا أن ذلك لن يتحقق إلا عبر دعم المعلمين وتزويدهم بالبرامج التدريبية الحديثة التي تساعدهم على الإبداع.
وطالب بضرورة مراجعة نظام "حضوري" وإدخال تحسينات عاجلة عليه، سواء من الناحية التقنية أو من حيث آليات التقييم، بما يضمن تحقيق التوازن بين الرقابة والتحفيز في البيئة التعليمية.
كما شدد على أهمية إشراك المعلمين في عملية تطوير النظام، من خلال أخذ ملاحظاتهم ومقترحاتهم بعين الاعتبار، لضمان أن يكون النظام عمليًا وفعالًا ويلبي احتياجات الميدان التربوي.
واختتم الحمادي حديثه بالتأكيد على أن تطوير التعليم لا يقوم على الأدوات التقنية وحدها، بل على الاستثمار في العنصر البشري، معتبرًا أن أي نجاح مستدام يبدأ من دعم المعلمين وتحفيزهم على الإبداع والعطاء.