يشهد شهر أكتوبر في المملكة مرحلة انتقالية بارزة في الطقس، حيث تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض التدريجي، ما يخفف من حدة الحر الذي لازم أجواء الصيف لفترة طويلة. ويصف خبراء الطقس هذه الفترة بأنها من العلامات الفاصلة بين حر الصيف وبرودة الشتاء، حيث تتشكل خلالها أولى ملامح التحولات الموسمية.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
الباحث في الطقس والمناخ عبدالعزيز الحصيني أوضح أن أكتوبر يُعد من أهم أشهر الخريف في السعودية، إذ تبدأ فيه دورة التغير المناخي بالوضوح شيئًا فشيئًا، مع مؤشرات ملموسة على اعتدال الأجواء. وأكد أن الشهر يحظى بسمات خاصة تجعله محط اهتمام المزارعين والمهتمين بالأنواء.
وأشار الحصيني إلى أن اليوم الثالث من أكتوبر يتزامن مع طلوع نجم "الصرفة"، وهو النجم الرابع من نجوم سهيل، ويُعرف بأنه علامة انصراف الحر تدريجيًا، حيث يبدأ الطقس بالتحول نحو الاعتدال، تمهيدًا لدخول موسم الأمطار.
كما لفت إلى أن السادس عشر من الشهر يمثل بداية "الوسم"، وهو من أبرز المواسم المناخية في المملكة، ويُعد أفضل أوقات السنة لهطول الأمطار، الأمر الذي يجعل المزارعين والرعاة وغيرهم يترقبونه كل عام لما يحمله من خير ونماء.
يُذكر أن موسم "الوسم" ارتبط تاريخيًا بخصوبة الأرض وازدهار الغطاء النباتي، إذ إن الأمطار الهاطلة خلاله غالبًا ما تكون غزيرة ونافعة، ما يساهم في إنبات الأعشاب والمراعي الطبيعية التي تعتمد عليها الثروة الحيوانية.
إلى جانب ذلك، يرافق شهر أكتوبر تغير ملحوظ في طول النهار والليل، حيث تتناقص ساعات النهار تدريجيًا مقابل ازدياد ساعات الليل، ما ينعكس على طبيعة الحياة اليومية وسلوكيات الناس في مختلف مناطق المملكة.
كما يبدأ امتداد الظل بالظهور بشكل أوضح خلال هذه الفترة، في إشارة إلى تغير زاوية سقوط أشعة الشمس، وهي من أبرز العلامات التي يستدل بها الأهالي قديمًا على دخول الخريف وتبدل الأجواء.
التغيرات المناخية في أكتوبر لا تنحصر في الجانب الحراري فحسب، بل تشمل أيضًا ارتفاع فرص تشكل السحب ونشاط الرياح المعتدلة، التي تهيئ الأجواء لهطول أمطار مبكرة في بعض المناطق.
ويعتمد سكان البادية والمزارعون على هذه العلامات الفلكية والمناخية لتحديد مواسم الزراعة والرعي، حيث ظل "الصرفة" و"الوسم" محط اهتمام الأجيال المتعاقبة في الجزيرة العربية.
ومع بداية اعتدال الطقس، يشهد قطاع الزراعة تحضيرًا مكثفًا للموسم الجديد، حيث يبدأ الفلاحون في تجهيز الأراضي لزراعة المحاصيل الشتوية، مستفيدين من الأجواء المعتدلة والأمطار المرتقبة.
كما ينعكس اعتدال الطقس في أكتوبر على النشاطات المجتمعية والترفيهية، إذ تتزايد المناسبات الخارجية والرحلات البرية التي يفضلها كثير من السعوديين في هذه الفترة من العام.
وتُظهر المؤشرات أن درجات الحرارة خلال أكتوبر ستشهد تذبذبًا ملحوظًا بين الليل والنهار، ما يجعل الأجواء في الصباح والمساء أكثر اعتدالًا، بينما تبقى ساعات الظهيرة محتفظة ببعض الحرارة في المناطق الداخلية.
هذا التباين المناخي يمنح فرصة للتدرج الطبيعي قبل حلول الشتاء، فيتأقلم السكان تدريجيًا مع الأجواء الباردة القادمة، دون انتقال مفاجئ قد يربك أنماط الحياة اليومية.
ويُعد أكتوبر كذلك مقدمة لموسم الشتاء المطير في بعض مناطق المملكة، حيث تتشكل خلاله أولى السحب الممطرة، خاصة على المرتفعات الجنوبية الغربية والمناطق الوسطى والشمالية.
كما يُسهم دخول "الوسم" في تحسين المخزون المائي عبر السيول والأودية، ما يدعم الاستفادة من الموارد الطبيعية ويخفف من حدة الجفاف الذي تتركه حرارة الصيف الطويل.
الطقس في أكتوبر ظل حاضرًا في الثقافة الشعبية السعودية، إذ ارتبطت به أمثال وأشعار تصف جمال التحولات المناخية، وتؤكد على مكانته كمفتاح لبداية موسم المطر والخصب.
ويُتوقع أن يكون أكتوبر هذا العام أكثر اعتدالًا، مع فرص جيدة للأمطار في مناطق متفرقة، وهو ما يعزز من استعدادات الأهالي لاستقبال موسم البر والأنشطة الزراعية.
بهذا، يظهر أكتوبر كأحد أشهر التحول المناخي في المملكة، حيث يودع السعوديون حرارة الصيف القاسية، ويستقبلون أجواءً ألطف تحمل معها بشائر الغيث والخير.