طرحت الهيئة العامة للأمن الغذائي اليوم المناقصة الرابعة لهذا العام لاستيراد كمية تبلغ 420 ألف طن من القمح، وذلك للتوريد خلال الفترة الممتدة بين ديسمبر 2025 ويناير 2026، في خطوة تعكس استمرار المملكة في تعزيز استراتيجيتها الخاصة بالأمن الغذائي وتلبية احتياجات السوق المحلي.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
وأكد المهندس أحمد بن عبدالعزيز الفارس رئيس الهيئة أن هذه الكمية تأتي ضمن خطة مدروسة تهدف إلى المحافظة على مستويات مريحة من المخزونات الإستراتيجية من القمح، بما يضمن استمرارية توافر هذا المحصول الحيوي لشركات المطاحن، التي تعد عصبًا أساسيًا في سلاسل الإمداد الغذائي.
وأشار الفارس إلى أن توزيع الشحنات على الموانئ السعودية الرئيسية تم بشكل متوازن، حيث خُصصت باخرتان لميناء جدة الإسلامي الذي يعد المنفذ الأكبر في استقبال السلع الغذائية المستوردة، نظرًا لموقعه الجغرافي الحيوي القريب من مراكز الاستهلاك الرئيسية.
كما ستستقبل ثلاثة بواخر ميناء ينبع التجاري الواقع على البحر الأحمر، وهو الميناء الذي يكتسب أهمية متزايدة في دعم حركة الاستيراد المرتبطة بالحبوب والمواد الغذائية، بما يسهم في رفع كفاءته التشغيلية وتعزيز دوره في المنظومة اللوجستية الوطنية.
وفي المقابل ستتجه باخرتان إلى ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام على ساحل الخليج العربي، وذلك لضمان تغطية احتياجات مناطق المملكة الشرقية والوسطى، عبر توزيع متوازن يخفف الضغط عن الموانئ الغربية، ويحقق عدالة في تدفق السلع الغذائية.
تأتي هذه المناقصة في وقت تعمل فيه المملكة على تقوية شراكاتها الدولية في مجال تجارة الحبوب، مستفيدة من شبكة علاقاتها مع كبريات الدول المصدرة للقمح، بهدف ضمان استقرار الإمدادات وحماية السوق المحلي من تقلبات الأسعار العالمية.
ويُعد القمح أحد أبرز السلع الإستراتيجية في المملكة، إذ يشكل العنصر الأساسي في صناعة الخبز ومختلف المخبوزات التي تعد ضمن قائمة الاستهلاك اليومي للمواطن والمقيم، ما يجعل توافره أولوية قصوى ضمن منظومة الأمن الغذائي.
ويعكس هذا الطرح المتكرر للمناقصات خلال العام الحالي حرص الهيئة على مواصلة توفير الكميات الكافية، خصوصًا في ظل النمو السكاني وتزايد الطلب على المنتجات الغذائية، وهو ما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تحقيق الاكتفاء الجزئي وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد الكلي على الاستيراد.
ويأتي اعتماد الهيئة على مناقصات مجدولة كأداة فعالة لإدارة المخزونات وتلافي أي فجوات محتملة في السوق، فضلًا عن إعطائها مرونة في التفاوض مع الموردين العالميين للحصول على أفضل الشروط التنافسية في الأسعار والجودة.
وفي هذا السياق، حرصت الهيئة على تنويع مصادر استيراد القمح من عدة دول منتجة، تجنبًا لأي مخاطر قد تنجم عن الاضطرابات الجيوسياسية أو المناخية التي قد تؤثر على الإنتاج العالمي لهذه السلعة الحيوية.
كما أن التوزيع الجغرافي للموانئ المستقبلة للشحنات يعكس نهجًا لوجستيًا متكاملًا، يهدف إلى تقليل تكاليف النقل البري الداخلي، وتسهيل عمليات التفريغ والتخزين والنقل إلى المطاحن المنتشرة في مختلف مناطق المملكة.
ويؤكد هذا الطرح الرابع خلال العام نفسه وجود سياسة واضحة لدى الهيئة في بناء مخزون إستراتيجي آمن، يضمن مرونة في تلبية الطلب المحلي في مختلف الظروف، سواء في حالات الذروة أو عند حدوث أي طارئ عالمي في سلاسل التوريد.
كما أن هذا التوجه يتناغم مع السياسات الحكومية الهادفة إلى دعم استقرار أسعار السلع الغذائية محليًا، عبر التدخل المباشر في تنظيم عمليات الاستيراد وضبط حجم الإمدادات بما يتناسب مع معدلات الاستهلاك.
ويُتوقع أن تساهم هذه الكميات الجديدة في تعزيز استقرار السوق المحلي خلال الفترة المقبلة، خصوصًا مع تزامنها مع مواسم يرتفع فيها الاستهلاك الغذائي، الأمر الذي يعزز من كفاءة إدارة الإمدادات.
ويشير خبراء في قطاع الحبوب إلى أن المملكة باتت تتبع سياسة استباقية في إدارة وارداتها، من خلال طرح مناقصات في أوقات مدروسة، بما يقلل من تعرضها لتقلبات الأسعار المفاجئة في الأسواق العالمية.
كما أن هذه السياسة تدعم قدرة المملكة على الاستفادة من الفرص التي تتيحها فترات انخفاض الأسعار عالميًا، ما يحقق وفورات مالية ويساعد في إدارة الميزانية المخصصة للاستيراد بكفاءة عالية.
وتشكل هذه الخطوة امتدادًا لجهود الهيئة العامة للأمن الغذائي في تطوير منظومة الاستيراد والتخزين والتوزيع، بما يتناسب مع تطورات السوق المحلي ويعزز استدامة الأمن الغذائي الوطني.
وبذلك، فإن المناقصة الرابعة تمثل حلقة جديدة في سلسلة الجهود المتواصلة لضمان تدفق القمح إلى المملكة، عبر مسار واضح يجمع بين التخطيط الإستراتيجي والتنفيذ المرن، بما يحافظ على استقرار السوق ويؤمن احتياجات المستهلكين.
وتعكس هذه السياسات حرص المملكة على بناء منظومة غذائية resilient ومرنة، قادرة على الصمود أمام المتغيرات العالمية وضمان رفاه المجتمع، بما ينسجم مع توجهاتها التنموية الشاملة.