شهدت أسواق النفط العالمية تراجعًا جديدًا في أسعار الخام اليوم الجمعة، في استمرارٍ لسلسلة خسائرها الممتدة منذ بداية الربع الأخير من العام، حيث يبدو أن السوق تتجه لتسجيل خسارة شهرية ثالثة على التوالي وسط ضغوط متشابكة من الدولار القوي وارتفاع المعروض العالمي.
 إقرأ ايضاً:ميركاتو الشتاء يشعل الصراع الفرنسي.. نجم الاتحاد مطلوب بشدة في هذا النادي والتعاقد النهائيتمديد التأشيرة إلكترونيا من "خارج المملكة".. الجوازات تتيح خدمة جديدة للعمالة المنزلية
ويأتي هذا الانخفاض في وقت تواجه فيه أسواق الطاقة حالة من الترقب بشأن مسار السياسات النقدية الأمريكية، إذ أدى استمرار ارتفاع الدولار الأمريكي إلى كبح شهية المستثمرين تجاه السلع المقومة به، وعلى رأسها النفط الذي يصبح أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى.
وبحلول الساعة 00:27 بتوقيت غرينتش، هبطت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 33 سنتًا لتسجل 64.67 دولارًا للبرميل، كما تراجعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنحو 35 سنتًا لتستقر عند 60.22 دولارًا للبرميل، في إشارة إلى استمرار الضغط البيعي على الخامين الرئيسيين.
ويعزو محللون هذا الاتجاه الهابط إلى مزيج من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، فبينما تسعى الأسواق لتقييم أثر العقوبات الغربية على الصادرات الروسية، فإن زيادة الإنتاج من كبار المنتجين في أوبك وخارجها قلّصت من أي دعم محتمل للأسعار.
وقد ساهمت وفرة الإمدادات في الأسواق العالمية بتخفيف المخاوف المرتبطة بنقص المعروض، وهو ما انعكس في تراجع الفوارق السعرية بين عقود التسليم الفورية والمستقبلية، لتقترب الأسعار من أدنى مستوياتها منذ منتصف الصيف الماضي.
وفي الوقت ذاته، تشير بيانات شركات الطاقة إلى زيادة تدريجية في الإنتاج الأمريكي، خصوصًا من الحقول الصخرية في تكساس ونورث داكوتا، مما زاد من حدة الضغوط على الأسعار التي باتت أكثر حساسية لأي تغير في مستويات الطلب العالمي.
ويرى خبراء أن السوق تمر بمرحلة إعادة توازن معقدة، حيث تتقاطع فيها اعتبارات السياسة النقدية والتوترات الجيوسياسية ومخاوف الركود الاقتصادي، وهو ما يجعل تحركات الأسعار في الأمد القصير رهينة لعوامل خارجية يصعب التنبؤ بها.
وتشير تحليلات اقتصادية إلى أن ارتفاع الدولار خلال الأسابيع الأخيرة كان أحد أبرز العوامل التي حدت من صعود النفط، فكلما صعدت العملة الأمريكية، تقل القدرة الشرائية للمستوردين، مما يؤدي إلى تراجع الطلب الفعلي على الخام.
كما ساهمت المخاوف بشأن تباطؤ النمو في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، في تعزيز الاتجاه الهبوطي، خاصة بعد صدور بيانات صناعية ضعيفة أثارت القلق حول استدامة الطلب في الأسواق الآسيوية.
وفي المقابل، لم تنجح المخاوف من العقوبات الغربية المفروضة على صادرات روسيا النفطية في دعم الأسعار كما كان متوقعًا، إذ تمكنت موسكو من إيجاد منافذ جديدة لبيع نفطها في الأسواق الآسيوية، مما خفف من أثر القيود الغربية.
وتعكس تحركات الأسعار الحالية إدراك المستثمرين أن فائض المعروض يهيمن على المشهد، رغم الجهود المتواصلة لتحالف أوبك بلس في ضبط مستويات الإنتاج ومحاولة الحفاظ على توازن السوق.
كما أن تراجع التوترات في بعض مناطق الإنتاج الرئيسية، مثل ليبيا ونيجيريا، ساعد في استقرار الإمدادات، وهو ما جعل الأسواق أقل تأثرًا بالعوامل الجيوسياسية مقارنة بالفترات السابقة.
ويرجح محللون أن تبقى أسعار النفط ضمن نطاق ضيق خلال الأسابيع المقبلة، في ظل غياب محفزات قوية للارتفاع، خاصة مع تباطؤ الطلب الموسمي في الربع الأخير من العام.
ورغم ذلك، لا يستبعد الخبراء حدوث ارتداد محدود للأسعار إذا ما أظهرت بيانات اقتصادية قادمة تحسنًا في معدلات الاستهلاك أو انخفاضًا مفاجئًا في المخزونات الأمريكية.
وتشير توقعات بعض بيوت الخبرة إلى أن أي انتعاش محتمل سيكون قصير الأجل ما لم تتغير المعطيات الأساسية في السوق، مثل تقليص الإنتاج أو تحسن واضح في الطلب العالمي.
وفي الأفق الأبعد، يبقى التركيز منصبًا على قرارات أوبك بلس المقبلة، إذ من المرجح أن تحدد الخطوات التي ستتخذها المنظمة شكل السوق خلال مطلع العام الجديد ومدى قدرتها على تحقيق توازن بين المصالح المختلفة للدول الأعضاء.
كما أن استمرار التحديات الاقتصادية العالمية، وخصوصًا في أوروبا وآسيا، سيؤثر على وتيرة التعافي في الطلب، وهو ما قد يجعل عام 2025 عامًا صعبًا بالنسبة لأسواق الطاقة.
وفي النهاية، يبدو أن النفط يقف اليوم عند مفترق طرق بين ضغوط اقتصادية متزايدة وفرص محدودة للانتعاش، مما يجعل التوقعات حذرة في ظل سوق متقلبة تتأرجح بين فائض المعروض ومخاوف الركود.
 
                 
                             
                             
                             
                             
                            