تشهد مكة المكرمة يوم الثلاثاء المقبل ظاهرة فلكية دقيقة تُعد من أكثر الظواهر جذبًا لاهتمام العلماء والهواة والمهتمين بعلم الفلك، إذ تتعامد الشمس بشكل كامل على الكعبة المشرفة، في مشهد يتكرر مرتين سنويًا ويُعد مرجعًا طبيعيًا لتحديد الاتجاه الدقيق للقبلة من مختلف أنحاء العالم.
إقرأ ايضاً:"جامعة أم القرى" تطلق ملتقى غير مسبوق.. مفاجآت حول "الصحة النفسية" في الأزمات والكوارث"الابن يسير على خطى الأسطورة".. استدعاء جونيور رونالدو لمنتخب البرتغال تحت 16 عام
وأوضحت جمعية "نور الفلك" بمنطقة القصيم أن الظاهرة ستحدث تحديدًا عند أذان الظهر في مكة، عند تمام الساعة 12:18 ظهرًا بتوقيت المملكة، لتتلاشى ظلال الكعبة تمامًا في تلك اللحظة.
ويعد هذا الحدث إحدى أهم الظواهر التي ترتبط بالموقع الجغرافي الفريد لمكة المكرمة على خط عرض 21.4225 شمالًا، حيث تمر الشمس عموديًا على الكعبة خلال انتقالها السنوي بين مداري السرطان والجدي، ما يجعلها تشرق وتغيب في بعض الأوقات على استقامة تامة مع الاتجاه المقدس للمسلمين في العالم.
وتأتي هذه الظاهرة المرتقبة في توقيت دقيق، إذ تُمثل إحدى الظواهر التي يعوّل عليها علماء الفلك والهيئات الشرعية في التحقق من دقة اتجاه القبلة في المساجد والمنشآت الإسلامية، سواء في البلاد العربية أو في الدول الإسلامية والغرب.
ويقول رئيس جمعية "نور الفلك" عيسى الغفيلي إن لحظة تعامد الشمس على الكعبة تُعدّ فرصة فريدة لاستخدام الظل في تحديد القبلة، حيث يكون اتجاه القبلة في أي مكان في العالم معاكسًا تمامًا لاتجاه الظل الذي يُسقطه أي جسم منتصب مثل عمود أو مئذنة أو حتى قلم.
وأوضح الغفيلي أن هذه الظاهرة لا تحتاج إلى معدات متخصصة أو تكنولوجيا حديثة، بل يمكن لأي شخص أن يستعين بظل عمود قصير أو قلم موضوع بشكل عمودي على سطح أفقي، ليُحدد اتجاه القبلة بدقة متناهية في لحظة التعامد.
ويُعزى هذا التعامد إلى ظاهرة فلكية تعرف بـ"الزوال"، وهي اللحظة التي تصل فيها الشمس إلى أقصى ارتفاع لها في السماء وتكون عمودية على نقطة معينة من سطح الأرض، وبالنسبة لمكة المكرمة، يحدث هذا التعامد مرتين كل عام: الأولى في 27 أو 28 مايو، والثانية في 15 أو 16 يوليو تقريبًا، وفقًا لحركة الشمس الظاهرية خلال انتقالها بين مداري الجدي والسرطان.
ويُشير العلماء إلى أن هذا الحدث ليس فقط مدهشًا من الناحية البصرية، بل يُعد أيضًا مرجعًا زمنيًا ومكانيًا دقيقًا له تطبيقات في مجالات الملاحة، وعمليات البناء للمساجد والمنشآت الإسلامية، فضلًا عن كونه تذكيرًا للمسلمين حول العالم بوحدة قبلتهم واتجاه عباداتهم، حيث يتوحد الجميع تجاه الكعبة المشرفة في مكة.
وقد حثّت جمعية "نور الفلك" والجهات المختصة كل من لديه رغبة في إعادة التأكد من اتجاه القبلة في منزله أو مسجده على الاستفادة من هذه الظاهرة، خاصة في الدول البعيدة عن الحرم المكي والتي قد تواجه صعوبة في تحديد الاتجاه الصحيح بدقة.
وتُعد هذه الظاهرة وسيلة طبيعية موثوقة، خاصة في المناطق التي لا تتوفر فيها الأدوات التقنية الحديثة أو تعاني من خلل في البوصلات الرقمية، حيث يمكن ببساطة مراقبة اتجاه الظل المعاكس وتثبيته كنقطة مرجعية لاتجاه الكعبة.
ويؤكد مختصون في علم الفلك أن هذه الطريقة تضاهي من حيث الدقة وسائل القياس المعتمدة رقميًا، وتُعتبر جزءًا من الإرث الفلكي الإسلامي الذي كان يعتمد على الظواهر الكونية في الحياة اليومية والعبادات.
وتستقطب ظاهرة تعامد الشمس على الكعبة سنويًا اهتمامًا إعلاميًا واسعًا، ويقوم العديد من الهواة بتصوير المشهد من أعلى الحرم المكي، حيث يبدو ظل الكعبة وقد اختفى تمامًا، في حين تستمر الظلال في الظهور في محيطها، ما يمنح صورة بصرية فريدة ودقيقة حول موقع الكعبة ومركزيتها الجغرافية والدينية.
كما تشكل هذه الظاهرة مجالًا خصبًا للدراسات الفلكية المتعلقة بحركة الشمس وتغير الفصول واتجاهات الظلال، وهي مفيدة أيضًا لطلاب الجغرافيا والفلك لفهم حركة الأرض والشمس والعلاقة بين موقع الكعبة ودوائر العرض.
وتعتبر الجهات الرسمية هذه المناسبة فرصة لرفع مستوى الوعي العلمي والديني حول أهمية الظواهر الطبيعية في خدمة الطقوس الإسلامية، وتعزيز الارتباط بين العلم والدين في وعي المجتمعات الإسلامية.
ويؤكد الفلكيون أن ظاهرة تعامد الشمس على الكعبة المشرفة لا تؤثر بأي شكل على البيئة أو المناخ، بل هي ظاهرة فلكية طبيعية ناتجة عن ميل محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس، ولا تُحدث أية تغيّرات على الأنشطة اليومية، بل تُمثل فقط لحظة زمنية مثالية تُستغل علميًا وروحيًا.
وتدعو جمعية "نور الفلك" الجمهور لمتابعة الحدث والانتباه للحظة التعامد عبر مراقبة الظلال أو استخدام التطبيقات الفلكية الموثوقة لتحديد التوقيت الدقيق، وتسجيل التجربة بالصور والفيديو إن أمكن، لما لها من قيمة تعليمية وتوعوية كبيرة.
وتُعد هذه اللحظة أيضًا مناسبة لاستشعار عظمة الخالق في خلق هذا التناسق الكوني، الذي يجعل من الكعبة مركزًا فلكيًا وروحيًا يتكرر اصطفاف الشمس فوقه بدقة مذهلة، في رسالة تتجاوز حدود العلم، نحو معانٍ روحية تُذكر بوحدة الوجهة والغاية.