في حدث استثنائي يثير اهتمام المجتمع العلمي حول العالم، كشفت أبحاث حديثة عن مذنب غامض قادم من خارج النظام الشمسي يحمل اسم 3I/ATLAS، حيث أظهر خصائص غير مألوفة جعلت العلماء أمام معطيات جديدة يصعب تفسيرها وفق المفاهيم التقليدية حول المذنبات، ليصبح بذلك محور نقاش واسع بين خبراء الفلك والفيزياء الكونية.
إقرأ ايضاً:"جامعة أم القرى" تطلق ملتقى غير مسبوق.. مفاجآت حول "الصحة النفسية" في الأزمات والكوارث"الابن يسير على خطى الأسطورة".. استدعاء جونيور رونالدو لمنتخب البرتغال تحت 16 عام
ووفقاً للرصد الأولي، تبين أن المذنب أصغر بكثير مما كان متوقعاً، إذ لا يتجاوز قطره 2.7 كيلومتر، في حين كانت التقديرات السابقة ترجح أن حجمه قد يتخطى 19 كيلومتراً، وهو فارق كبير يغير من طبيعة التصورات المتعلقة بكيفية تكوينه وظروف نشأته.
لكن المفاجأة الأكبر تمثلت في الكميات الضخمة من غاز ثاني أكسيد الكربون التي يطلقها المذنب بشكل غير معتاد، إذ وصلت وفق القياسات إلى نحو 940 تريليون جزيء في الثانية، بينما لم تُسجل انبعاثات مصاحبة من بخار الماء أو أول أكسيد الكربون، ما أثار حيرة العلماء الذين اعتادوا رؤية سلوك مختلف للمذنبات عند اقترابها من الشمس.
كما رُصد وجود جليد ماء على سطح المذنب، الأمر الذي يعزز الفرضية القائلة بأنه تشكل في بيئة نجمية تختلف جذرياً عن بيئة نظامنا الشمسي، وهو ما يجعله شاهداً فريداً على ظروف كونية تعود إلى مليارات السنين في أماكن أخرى من المجرة.
وقد جرى اكتشاف المذنب لأول مرة في يوليو 2025 من خلال شبكة التلسكوبات الأمريكية ATLAS، بينما أظهرت مراجعة للصور المؤرشفة من مرصد "فيرا روبين" في تشيلي أن رصده تم في وقت سابق دون التوصل إلى طبيعته الحقيقية في ذلك الحين.
ويمثل 3I/ATLAS ثالث جسم بين نجمي يتم توثيقه في التاريخ، بعد "أومواموا" و"بوريسوف"، وهو ما يضفي على ظهوره أهمية خاصة، لاسيما أنه يسير في مسار حر سيقوده للابتعاد عن النظام الشمسي مجدداً بعد أن يمر بالقرب من الأرض في ديسمبر المقبل.
وتشير الحسابات الفلكية إلى أن المذنب سيقترب إلى مسافة تقدر بحوالي 359 مليون كيلومتر من الأرض، وهو ما يجعل رصده ممكناً بالتلسكوبات المتقدمة، لكنه لن يشكل أي تهديد مباشر لكوكبنا، وهو ما يمنح العلماء فرصة نادرة لدراسته دون مخاطر.
ويرى الباحثون أن هذا الجسم الغامض قد يحمل دلائل ثمينة حول تطور الأنظمة الكوكبية، إذ يُعتقد أنه أقدم من شمسنا التي يقدر عمرها بـ 4.6 مليار سنة، ما يعني أنه جاء من بيئة أكثر قدماً ربما نشأت فيها نجوم قبل تكوّن نظامنا بوقت طويل.
وتعزز هذه الفرضية فكرة أن المذنب انطلق من مناطق كثيفة بالنجوم القديمة في قرص مجرة درب التبانة، حيث تختلف الظروف الفيزيائية والكيميائية بشكل كبير عن تلك التي نعرفها في محيطنا الكوني الحالي.
ويأمل العلماء أن تسهم دراسات المذنب في الكشف عن مكونات بدائية ظلت محفوظة منذ بداية تشكل المجرات، ما قد يفتح المجال لفهم أعمق للعوامل التي تؤثر في تكوين الكواكب وتطورها عبر الزمن.
كما يعتقد بعض الباحثين أن 3I/ATLAS قد يحمل مفاتيح للإجابة عن أسئلة طال انتظارها حول توزيع الجليد والغازات في البيئات الكونية المبكرة، الأمر الذي ينعكس على فهم أصول المياه والعناصر الأساسية في أنظمة شمسية أخرى.
ويجري حالياً تنظيم حملات رصد دولية تجمع بين تلسكوبات فضائية وأرضية لمتابعة تطور المذنب ورصد نشاطه بشكل مستمر، وهو ما قد يوفر قاعدة بيانات علمية غير مسبوقة حول طبيعة الأجسام البين نجمية.
ومن المتوقع أن تستمر الأبحاث على هذا المذنب حتى بعد مغادرته النظام الشمسي، إذ ستتم دراسة مساره والمواد التي أطلقها خلال مروره، بحثاً عن أسرار إضافية حول تكوينه ومصدره الأصلي.
ويؤكد علماء الفلك أن هذه الظاهرة تمثل فرصة نادرة لن تتكرر كثيراً، وأن كل معلومة يتم جمعها من هذا المذنب ستضيف لبنة جديدة في بناء الفهم البشري لتاريخ الكون ومكوناته الغامضة.