حذّر رئيس أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس أمين بن حسن الناصر من أزمة محتملة في إمدادات النفط العالمية خلال السنوات المقبلة، مشيرًا إلى أن ضعف الاستثمارات في قطاع الاستكشاف والإنتاج على مدى العقد الماضي يهدد استقرار السوق العالمي للطاقة.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
وأوضح الناصر في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أن مستويات الإنفاق الحالية في الصناعة النفطية لا تتناسب مع حجم الطلب العالمي المتنامي، مؤكدًا أن العودة إلى الاستثمار المكثف باتت ضرورة لتفادي أزمة حقيقية في المستقبل.
وأشار إلى أن عقدًا كاملًا مضى دون نشاط كافٍ في مجال الاستكشاف، ما يعني أن العالم يواجه فجوة قادمة في الإمدادات إذا لم تتغير الاتجاهات الاستثمارية بسرعة، محذرًا من أن أي تأخير في ضخ استثمارات جديدة سيجعل الأثر أكثر عمقًا وأوسع نطاقًا.
وبيّن الناصر أن الاعتماد على النفط الصخري الأمريكي لم يعد كافيًا لتغطية النمو في الطلب، مؤكدًا أن الطفرة التي قادها هذا النوع من الإنتاج لن تتكرر في المستقبل القريب كما حدث خلال العقد الماضي.
وأوضح أن نحو 80 إلى 90% من نمو الإنتاج العالمي في السنوات الماضية جاء من النفط الصخري الأمريكي، إلا أن هذا النمو يواجه حاليًا مرحلة استقرار وربما تراجع خلال الخمسة عشر عامًا القادمة، ما يزيد من حاجة العالم إلى استثمارات جديدة في المصادر التقليدية.
ولفت إلى أن شركات النفط العالمية الكبرى قلّصت ميزانياتها المخصصة للاستكشاف والإنتاج منذ عام 2014، نتيجة لتراجع الأسعار وازدياد الضغوط للتحول نحو الطاقة النظيفة بما يتماشى مع أهداف الحياد الكربوني.
وأضاف أن جزءًا من التراجع في الاستثمار يعود إلى مطالب المستثمرين بالحصول على عائدات مالية سريعة عبر توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم، وهو ما أدى إلى تقليص التمويل الموجّه للتوسع المستقبلي في الإنتاج.
وأشار الناصر إلى أن تراجع الاستثمار في المنبع يجعل السوق أكثر عرضة للتقلبات، ويزيد من احتمالات نقص المعروض إذا ما ارتفع الطلب بشكل مفاجئ، مؤكدًا أن التوازن بين التحول الطاقي وأمن الإمدادات يجب أن يُدار بعناية.
وبحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، فإن الاستثمارات في قطاع الاستكشاف والإنتاج ستنخفض بنسبة 6% لتصل إلى 420 مليار دولار هذا العام، وهو أول تراجع منذ الانكماش الاقتصادي الذي سبّبته جائحة كورونا عام 2020.
وشدّد الناصر على أن مشاريع النفط الكبرى تحتاج عادة إلى فترة تمتد بين خمس إلى سبع سنوات قبل دخولها مرحلة الإنتاج، ما يعني أن القرارات الاستثمارية الحالية ستحدد قدرة السوق على تلبية احتياجات العقد القادم.
وأوضح أن تأجيل هذه المشاريع أو إلغائها سيؤدي إلى فجوات هيكلية في العرض، وهو ما قد يرفع الأسعار بشكل كبير ويؤثر على الاقتصادات الناشئة والمتقدمة على حد سواء.
وأكد أن أرامكو السعودية تتعامل مع هذه التحديات من خلال خطط استكشافية واستثمارية طويلة المدى، تهدف إلى تأمين استدامة الإمدادات والحفاظ على استقرار السوق العالمي للطاقة.
وبيّن أن الشركة تخصص ما بين مليار وملياري دولار سنويًا لمشاريع الاستكشاف الجديدة، في خطوة تؤكد التزامها بتوسيع قاعدة احتياطياتها النفطية ودعم أمن الطاقة العالمي.
وأضاف أن هذه الاستثمارات تأتي ضمن استراتيجية أرامكو لتعزيز مكانتها كأكبر منتج متكامل للطاقة في العالم، مع الحرص على تحقيق توازن بين الاستدامة البيئية والكفاءة الاقتصادية.
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية، من خلال أرامكو، تواصل لعب دور محوري في ضمان استقرار أسواق النفط، مستفيدة من قدراتها التقنية واحتياطياتها الضخمة وسياساتها الإنتاجية المتوازنة.
كما دعا الناصر إلى حوار عالمي واقعي حول مستقبل الطاقة، يقوم على مبدأ التدرج في التحول بدلاً من الإقصاء المفاجئ للوقود الأحفوري الذي ما زال يشكّل العمود الفقري للاقتصاد العالمي.
ورأى أن تحقيق أمن الطاقة يتطلب تعاونًا دوليًا واستثمارات ضخمة في جميع أنواع الطاقة، التقليدية والمتجددة على حد سواء، لضمان وفرة الإمدادات وتقليل المخاطر الاقتصادية.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن العالم بحاجة إلى مقاربة متوازنة تحافظ على التنمية المستدامة دون التضحية بأمن الطاقة، مشيرًا إلى أن أرامكو ستواصل قيادة هذا التوازن برؤية استراتيجية طويلة الأمد.