بدأ موسم الوسم في المملكة العربية السعودية ليعلن عن مرحلة التحول المنتظرة بين فصلي الخريف والشتاء، حيث تتبدل الأجواء تدريجيًا وتنخفض درجات الحرارة، وتزداد فرص هطول الأمطار التي ينتظرها المزارعون ومحبو الرحلات كل عام.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ
ويُعد الوسم من أبرز المواسم الفلكية في شبه الجزيرة العربية، إذ يستمر لمدة 52 يومًا متصلة، ويتكوّن من أربع منازل فلكية رئيسية هي العواء والسماك والغفر والزبانا، وتتميز هذه المنازل بأجوائها المعتدلة وكثرة السحب الممطرة.
ويبدأ الموسم فلكيًا في السادس عشر من أكتوبر من كل عام وفق ما أوضحه الدكتور عبدالله آل موسى، الباحث في التقويم الزراعي بمنطقة عسير، مبينًا أن الوسم يضم القران السابع عشر والقران الخامس عشر، حيث يمتد كل قران منها 26 يومًا لتكتمل فترة الوسم البالغة 52 يومًا.
وأشار آل موسى إلى أن القران السابع عشر يعني اقتران القمر بالثريا في اليوم السابع عشر من الشهر الهجري، وهو ما يشمل منازل العواء والسماك التي تمثل بداية الوسم فعليًا، وهي الفترة التي تتزين فيها الأرض بالنبات وتخضر الحقول بعد موسم الجفاف.
وبيّن أن تسمية الوسم تعود إلى الجذر اللغوي "وسم" الذي يعني أثر الكي، وهو في هذا السياق يشير إلى أثر المطر على الأرض الذي يترك بصمته بالحياة والنماء بعد القحط والجفاف.
وأوضح أن هناك دلائل فلكية وطبيعية تشير إلى دخول موسم الوسم، أبرزها عبور الطيور المهاجرة سماء الجزيرة العربية في رحلاتها الموسمية من الشمال إلى الجنوب.
كما يتزامن دخول الوسم مع موسم جني عسل السدر الذي يُعد من أجود أنواع العسل في المملكة، ما يجعل الفترة مصدر اهتمام خاص للمزارعين والنحالين على حد سواء.
ومن العلامات الأخرى لتحول الأجواء، تغيير حركة السحب من الغرب إلى الشرق نتيجة تأثر المنطقة بالتيار النفاث الغربي، وهو ما يساهم في تكوّن الغيوم الممطرة.
ومع انخفاض درجات الحرارة ليلًا وبقاء الأجواء معتدلة نهارًا، يلاحظ السكان الفرق الكبير بين حر النهار وبرودة الليل، الأمر الذي يؤدي عادة إلى نشاط بعض الأمراض الموسمية مثل الإنفلونزا.
ويُعرف الوسم كذلك بأنه موسم التجدد البيئي، إذ تبدأ النباتات في الظهور مجددًا وتستعيد الحياة البرية نشاطها بعد فترة ركود الصيف الطويلة.
كما تتشكل خلاله السحب الركامية الممطرة التي تنعش الأراضي وتعيد التوازن للرطوبة في التربة، وهو ما يسهم في دعم الدورة الزراعية الطبيعية.
ويُعتبر هذا الموسم من الفترات المثالية للزراعة في مناطق واسعة من المملكة، حيث يستعد المزارعون لبداية الموسم الزراعي الجديد مستفيدين من الأمطار المبكرة والحرارة المعتدلة.
وتشهد المناطق الجبلية والمرتفعات الجنوبية خلال الوسم مناظر خلابة بعد هطول الأمطار، فتتحول الوديان والسهول إلى لوحات خضراء تنبض بالحياة.
ويُقبل عشاق الرحلات البرية على التخييم في هذه الفترة تحديدًا، إذ تُعد الأجواء مناسبة تمامًا للنزهات والاستكشافات في الصحراء والمرتفعات.
ولا يقتصر تأثير الوسم على الزراعة فحسب، بل يمتد إلى الجانب الاجتماعي والثقافي، حيث يرتبط في الذاكرة الشعبية السعودية بالخير والبركة وبداية موسم المطر.
ويرى الباحثون أن هذا الموسم يمثل رابطًا مهمًا بين الإنسان والبيئة في الموروث العربي، إذ اعتمدت عليه القبائل قديمًا لتحديد مواعيد الزراعة والرعي والصيد.
ويستفيد الباحثون في الأرصاد والفلك من دراسة منازل الوسم لفهم التغيرات المناخية السنوية والتنبؤ بمواسم الأمطار وتحديد أوقات النشاط الزراعي الأمثل.
وتبقى منازل العواء والسماك والغفر والزبانا جزءًا أصيلًا من تقويم العرب القديم، الذي ما زال يُستخدم في تحديد الظواهر الجوية بدقة لافتة رغم مرور القرون.
ومع حلول الوسم هذا العام، يعم التفاؤل في الأوساط الزراعية والسياحية بأن يحمل الموسم أمطار الخير التي تنعش الأرض وتبشر بموسم وفير بإذن الله.