علاج سرطان الثدي
دراسة تصدم الأطباء: خطأ خفي في علاج سرطان الثدي منذ سنوات!
كتب بواسطة: فهد الأعور |

كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون في ألمانيا عن إمكانية تحسين فعالية دواء "تاموكسيفين"، المستخدم منذ عقود في علاج سرطان الثدي، لدى فئة محددة من النساء الأصغر سنًّا اللواتي لا يستجبن جيدًا للعلاج التقليدي المعتمد على هذا الدواء.
إقرأ ايضاً:المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بين أفضل ست جهات حكومية.. تفاصيل غير معلنة عن المبادنادي الهلال يتلقى صدمة مدوية قبل موقعة السد.. إنزاجي في ورطة بسبب غياب مفاجئ

النتائج التي توصلت إليها الدراسة تشكل خطوة واعدة نحو حل إحدى المشكلات الشائعة في علاج سرطان الثدي، وهي التفاوت في استجابة المريضات للعقاقير، ما يدفع الباحثين إلى البحث عن حلول قائمة على التخصيص الدوائي المبني على الجينات والوظائف الحيوية للجسم.

يركز البحث الألماني على مركب نشط يُسمى "زد-إندوكسيفين"، يُعد النسخة الفعالة بيولوجيًا من دواء "تاموكسيفين"، حيث يعتمد الأخير في فاعليته العلاجية على تحوّله داخل جسم المريضة إلى هذا المركب عبر إنزيم معين مسؤول عن التمثيل الدوائي.

وتكمن المشكلة في أن بعض المريضات، خاصة من الشابات، يمتلكن مستويات منخفضة من هذا الإنزيم، مما يعني أن التحول الكيميائي المطلوب لا يحدث بشكل كافٍ، وبالتالي تقل فعالية "تاموكسيفين" ولا يعطي النتائج المرجوة في إبطاء أو إيقاف نمو الخلايا السرطانية.

الدراسة، التي شملت 235 مريضة في المراحل المبكرة من الإصابة بسرطان الثدي، سعت إلى اختبار فرضية تقديم "زد-إندوكسيفين" كمركب دوائي تكميلي مباشر، دون الاعتماد على التحول الداخلي في الجسم، لتجاوز هذه المشكلة الحيوية.

أظهرت النتائج أن إعطاء هذا المركب الفعال بشكل مباشر ساهم في رفع مستويات الاستجابة للعلاج، دون أن يتسبب في زيادة الآثار الجانبية التي عادة ما تشكل عائقًا أمام تعديل الجرعات أو تبديل الأدوية أثناء مسار العلاج طويل الأمد.

وقال الدكتور ماتياس شواب، قائد فريق البحث، إن هذه النتائج تمثل حلًا عمليًا لمشكلة مزمنة لطالما أربكت الأطباء، وهي التفاوت في استجابة المريضات للتاموكسيفين، رغم اتباع نفس البروتوكولات الطبية، ما كان يدفع البعض للتوجه إلى خيارات علاجية أكثر تعقيدًا أو تكلفة.

ويُعد "تاموكسيفين" من أكثر الأدوية استخدامًا في علاج سرطان الثدي من النوع المعتمد على الهرمونات، حيث يعمل على منع ارتباط الإستروجين بمستقبلات الخلايا السرطانية، مما يحد من نموها، ويُعطى عادة لفترة تمتد من خمس إلى عشر سنوات بعد الجراحة أو العلاج الإشعاعي.

لكن التباين الجيني بين المريضات يؤثر بشكل كبير على استجابة الجسم لهذا الدواء، ما يجعل هذا الاكتشاف العلمي مدخلًا مهمًّا نحو تطبيقات الطب الدقيق، الذي يراعي الفروق الفردية في التمثيل الغذائي والهرموني والوراثي للمريض.

وأشار الفريق البحثي إلى أن تجربة تقديم "زد-إندوكسيفين" بشكل مباشر قد تفتح الباب أمام تعديل بروتوكولات العلاج القياسي، ودمج فحوصات وراثية مسبقة لتحديد المريضات اللواتي يحتجن لهذا النوع من التدخل التكميلي في مراحل مبكرة من العلاج.

ويرى الخبراء أن مثل هذه التطورات لا تمثل فقط تحسينًا على مستوى النتائج العلاجية، بل تقلل أيضًا من الأعباء النفسية والجسدية على المريضات، إذ تتجنب احتمالية فشل العلاج الأولي واضطرار المريضة إلى الدخول في دوامات بدائل دوائية أكثر قسوة.

ويُعد هذا التوجه جزءًا من تيار عالمي متصاعد في مجال الطب الشخصي، الذي يعتمد على البيانات البيولوجية الدقيقة لفهم تفاعل كل مريضة مع الدواء، وتقديم العلاج الأنسب بناءً على خصائصها الجينية والفيزيولوجية، وليس فقط حسب نوع الورم أو مرحلته.

وأكد الباحثون أن الخطوة القادمة تتمثل في توسيع التجربة لتشمل عددًا أكبر من المريضات في دول أخرى، وربط نتائج الدراسة بمؤشرات البقاء وتحسن نوعية الحياة على المدى الطويل، وهو ما يُعد من المعايير الأساسية في تقييم فعالية العلاج السرطاني.

ويعمل الفريق العلمي بالتعاون مع مؤسسات طبية في أوروبا والولايات المتحدة لإدراج هذا النهج في الدراسات متعددة المراكز، تمهيدًا لاعتماده ضمن الإرشادات الطبية العالمية لعلاج سرطان الثدي في السنوات القادمة.

من جهة أخرى، يرى بعض المتخصصين أن إدخال المركب الجديد إلى سوق الأدوية قد يتطلب المزيد من التجارب السريرية الموسعة، وإجراءات الموافقة التنظيمية، لكنه يُظهر بالفعل ملامح تحول تدريجي في فهم طبيعة التفاعل بين الأدوية والوظائف الحيوية في الجسم.

ويؤكد هذا التقدم أن علاج السرطان لم يعد يقتصر فقط على تطوير أدوية جديدة، بل يشمل أيضًا تحسين استخدام الأدوية القائمة وتعديل طرق إعطائها وتوقيتها، وهو ما يتماشى مع منهجيات "إعادة اكتشاف الأدوية" المستخدمة حاليًّا في الأبحاث الحديثة.

ويمثل هذا التطور أيضًا إنصافًا لفئة من المريضات كنّ يعانين من ضعف الاستجابة دون تفسير طبي دقيق، حيث قدّمت الدراسة لأول مرة تفسيرًا علميًّا واضحًا لهذه الظاهرة وربطتها بمؤشرات حيوية قابلة للقياس والتعديل من خلال التدخل العلاجي المناسب.

كما يفتح المجال أمام تطوير أدوات تشخيصية جديدة يمكن استخدامها قبل بدء العلاج، مثل تحليل جيني لإنزيم التحويل، مما يسمح للطبيب بتصميم خطة علاجية متكاملة وأكثر فاعلية منذ اللحظة الأولى للتشخيص.

وتؤكد هذه النتائج أهمية الاستثمار في الأبحاث الطبية ذات الطابع التطبيقي، والتي تركز على تحسين جودة حياة المرضى من خلال فهم أعمق لطريقة عمل الأدوية والتفاعل الجيني معها، في ظل تزايد التحديات في مواجهة أمراض السرطان على مستوى العالم.

أحدث الأخبار
اخر الاخبار